مسيرة التغيير في الشرق الاوسط

مسيرة التغيير في الشرق الاوسط: اسباب عدة تمنع العودة الى الاوضاع القديمة
الخميس فبراير 17 2011

رياح التغيير أطاحت بالنظامين المصري والتونسي وأنظمة أخرى مهددة بالسقوط

واشنطن – مسيرة التغيير في الشرق الاوسط Alqudslogo2

– نشرت مجلة "تايم" الاميركية مقالا للصحافي فريد زكريا يقول فيه ان "عام الثورات بدأ في كانون الثاني (يناير) في دولة صغيرة قليلة الاهمية. ثم انتشرت الاحتجاجات في اكبر واهم دولة في المنطقة، وأسقطت النظام الذي بدا انه متجذر بقوة فيها. وتناثرت التداعيات الى مواقع بعيدة. فالجو كان مفعماً بالحديث عن الحرية والتحرير. وتجمهرت الاحتجاجات في كل الشوارع، متحدية حكم المستبدين والملوك الذين يراقبون ما يجري حولهم وهم في قصورهم تتملكهم مشاعر الخوف.

وقد يكون هذا التوصيف مناسبا لتونس ومصر باعتبار ان الثورات السلمية في هاتين الدولتين الهمت وشحذت همم الناس في انحاء الشرق الاوسط. والواقع انها تعيد الى الذاكرة الانتفاضات الشعبية التي بدأت قبل 162 عاما في صقليه وفرنسا. فالثورات في العام 1848 كانت مماثلة بشكل ملحوظ من حيث نوبة الغضب لما يجري حاليا في الشرق الاوسط (وقد وصفها المؤرخون آنذاك بـ انتفاضة الشعوب). وكانت خلفيتها تتمثل في ذلك الوقت كما هو الحال الان في الانكماش الاقتصادي وارتفاع اسعار المواد الغذائية. وكانت الملكيات مترهلة ومتجمدة. وكان الشبان في الطليعة. تقنيات المعلومات الحديثة - وصحف واسعة الانتشار - شكلت حلقة اتصال الجماهير بعضها ببعض.

الا ان الحكاية لم تنته نهايةً سعيدة. فقد اكتسب المحتجون السلطة لكنهم بعد ذلك تفرقوا وحملوا السلاح ضد بعضهم البعض واضعفوا انفسهم. اما الجيش فقد بقي على ولائه للنظام العتيق واستخدم الاساليب العنيفة ضد المحتجين. وانتظر الملوك لبعض الوقت، وخلال سنوت قليلة اعادت الانظمة القديمة ترتيب امورها من جديد.

وكتب المؤرخ البريطاني ايه جيه بي تايلور ان "التاريخ وصل الى نقطة تحوله، لكنه لم يستطع ان يتحول".

هل سيفشل التاريخ في الاستدارة في الشرق الاوسط؟ هل ستخبو هذه الاحتجاجات القائمة في اليمن والبحرين والاردن وما وراءها، وهل سننظر الى العام 2011 وندرك ان القليل جداً قد تغير في واقع الامر؟ من المؤكد ام هذا ممكن، الا ان هناك سببين رئيسين للتوترات التي انطلقت من عقالها في الشرق الاوسط خلال الاسابيع القيلة الفائتة ولا يحتمل ان تختفي، وتضمان قوتين من اشد القوى التي تغير عالم اليوم: وهما الشباب والتكنولوجيا.

ان العامل المركزي الكامن في ازمة الشرق الاوسط هو شريحة الشباب الضخمة. اذ ان نحو 60 في المائة من سكان المنطقة هم دون الـ30 من العمر. ولدى تلك الملايين من الشباب تطلعات لا بد من تحقيقها، ويبدو أن الانظمة القائمة حاليا لا تملك من المقدرة ما يُذكر لكي تحققها. وقد رفضت الانظمة مطالب المحتجين على اساس انها مطالب التشدد الاسلامي او نتاج التدخل الغربي. الا انها بكل بساطة كانت احتجاجات نمت محليا وجعلت الغرب في احيان كثيرة يشعر بالقلق كونها هزت أسس الحلفاء القدامى. وما يريده المحتجون قبل كل شيء هو معاملتهم باعتبارهم مواطنين لا رعايا. وفي دراسة لما يرغب فيه شباب الشرق الاوسط جرت اخيرا، كانت رغبتهم الاولى في تسع دول هي العيش في بلد يتمتع بالحرية، وان كانت الوظائف والرغبة في الحياة الكريمة والمجتمع المعاصر على رأس قائمة تلك الرغبات ايضا.

ان الشباب ليسوا دائماً مصدراً للعنف. وقد خبر الغرب نمواً سكانياً - خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الصين وتلهند شريحة كبيرة من العمال الشباب، الامر الذي يعزز قوتهما الاقتصادية. ولكن من دون نمو اقتصادي وفرص اعمال يمكن ان يعم سخط جماعي.

وهذا ما حدث في الشرق الاوسط حيث تعد شريحة الشباب ربما الاكبر في العالم الآن. وقد لاحظ صحافيون وساسة ودارسون مشكلة الشباب في الشرق الاوسط، الا ان حكومات الاقليم لم تفعل شيئا يذكر لمعالجتها. فقد ظلت البطالة مرتفعة بصورة مزعجة بين الشبان، ووصلت حسب بعض التقديرات الى ما يقارب 25 في المائة. وساعد ارتفاع اسعار النفط دول الخليج في دفع مبالغ مالية الى مواطنيهم بطرق مختلفة، الا ان اكثر من نصف هؤلاء الذين يعيشون في الشرق الاوسط يقيمون في اراض لا تنتج نفطا. ثم ان النفط كان نقمة على الدول الثرية، حيث لم توفر الاقتصادات الا القليل اكثر من استخراج الهيدروكربون، وحيث تقوم جيوش من الاجانب باداء الاعمال، وتواصل الانظمة تقديم عروض مبدأية لشعوبها: سندعمكم ما دمتم مستكينين لحكمنا. وقد هزت التطورات الاخيرة الكويت والبحرين اللتين قررتا منح جميع مواطنيهما منحة هذا العام (3 الاف دولار في الكويت و 2700 دولار في البحرين).

وتكشف هذه الدفعات المالية عن اسلوبين للسيطرة في الشرق اوسط، هما: اضطهاد جماعي ورشوة جماعية. وربما كان الاسلوب الثاني المستخدم في دول الخليج سيثبت انه الاكثر فاعلية – وان كان النظام في البحرين يواجه تحديات معينة، حيث هناك اقلية سنية تحكم غاللبية شيعية. والمعضلة الاوسع التي تواجه النظامين تكمن في ان السكان اصبحوا اكثر وعيا ومعرفة واتصالا. ومن البداهة القول ان ما حدث في تونس ومصر وقع بسبب الـ فيس بوك. لكن التقنية – من اقمار اصطناعية وتلفزيون وكومبيوترات وهواتف جوالة وانترنيت – قد لعبت دورا قويا في ابلاغ الناس في المنطقة وتثقيفهم وترابطهم. وتعمل هذه الخدمات في دعم الافراد واهلاك الدولة. وفي الايام الخوالي كانت تقنية المعلومات تستخدم لخدمة رجال السلطة. وهذا هو السبب الذي دعا الى الاستيلاء على محطات الاذاعة في ثلاثينات القرن الماضي حتى يمكن بث المعلومات الى الجماهير. اما التكنولوجيا اليوم فمتوفرة بكثرة امام الجميع وليس هناك من يسيطر عليها. وهو ما لا يفيد منه كل من يحاول كتم المعلومات.

من المؤكد ان بامكان الدولة ان تدافع عن نفسها. فالحكومة المصرية اغلقت اتصال المصريين عبر الانترنيت لخمسة ايام. واغلق النظام الايراني خدمات الجوال في قمة احتجاجات الحركة الخضراء في العام 2009. ولكن ما هي تكلفة مثل هذه الاجراءات.

هل يمكن للمصارف ان تدير اعمالها عندما تغلق خدمات الانترنيت؟ وهل يمكن للتجارة ان تتوسع عندما تتوقف خدمات الجوال؟ فسوريا لم تفتح الاتصال عبر الـ فيس بوك الا الان، لكن اسلوبها الاساسي يظل احكام بقاء العالم بعيدا – لكن هذا الاسلوب عقبة رئيسة امام النمو الاقتصادي ومعالجة مشكلة بطالة الشبان الحيوية. ويمكن لكوريا الشمالية ان تظل مستقرة طالما بقيت في مكانها لا تتحرك. وبالنسبة الى الانظمة التي ترغب في التجاوب مع تطلعات شعوبها، فان الضرورة الاقتصادية والسياسية تتطلب الانفتاح.

ان حتمية التحديث - لأن المجتمعات عليها ان تتبنى مزيداً من الانفتاح كي تحقق تقدماً - هي السبب الذي يجعلني اسمح لنفسي ان اكون متفائلا بالنسبة الى تقدم الثورات الشبابية. ومن السهل ان يصاب المرء بخيبة امل لدى النظر الى التاريخ الحديث المحزن في الشرق الاوسط.

الا ان هناك شيئا في المنطقة يدعو الى الشعور بانها تتغير.

» صحف عربية وعالمية
» المجلس الوطني الفلسطيني يوافق على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الاوسط
» السلطة الفلسطينية بعد التغيير المصري: ضيق الأفق والتخبط..
» ريفكند: أخيرا وصل مد التغيير الى العالم العربي وعلى الحكام ان يدركوا معنى الثورة التونسية
» مسيرة العودة