حيرة إسرائيل أمام الثورات الشعبية العربية

حيرة إسرائيل أمام الثورات الشعبية العربية وآفاق تغيير الواقع الاستراتيجي في المنطقة

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
حلمي موسى

تتعامل إسرائيل بنوع من الحيرة في كل ما يتعلق بالانتفاضات الشعبية في الدول العربية. ورغم التزام القادة السياسيين والعسكريين الصمت في الغالب أمام وسائل الإعلام فإنهم يكادون ينفجرون من فرط ما يظهر انعدام اليقين لديهم في كل ما يتعلق بالمستقبل. وللوهلة الأولى كان القلق سيد الموقف في إسرائيل عندما انفجرت الانتفاضة في تونس، لكن سرعان ما احتل الواجهة نوع من الذعر في أعقاب نشوب الانتفاضة في مصر. وبدا جلياً أن الاستخبارات الإسرائيلية أخطأت ليس فقط في عدم توقع الانتفاضات وإنما أيضاً في توقع نتائجها.
فقد آمنت الاستخبارات الإسرائيلية، على الأقل فيما يتعلق بمصر، بأن نظام الرئيس حسني مبارك مستقرّ وآمن وأنه سوف يتجاوز العاصفة. ولكن ما أن أعلنت استقالة مبارك حتى أشيع أن إسرائيل مطمئنة طالما بقي الجيش المصري سيداً لوادي النيل. ومع كل تجاوب للجيش مع مطالب الثورة المصرية يتراجع منسوب الثقة لدى الاستخبارات الإسرائيلية بشأن المستقبل.
وفي كل حال فإن الحكومة الإسرائيلية سارعت لصبّ جام غضبها على الإدارة الأميركية التي أثبتت بتصرفاتها، وفق النظرة الإسرائيلية اليمينية، أنها تتراجع أمام الأعداء وتنقض على الأصدقاء. واعتبرت هذه الحكومة أن تخلي الإدارة الأميركية عن حليف مخلص مثل الرئيس مبارك ينذر إسرائيل بخطر جسيم. فالإدارة الأميركية قد تتخلى عن إسرائيل وقت الضرورة. ولهذا السبب انطلقت حملة قوية ضد إدارة أوباما معتبرة أن كل ما يجري في المنطقة ليس سوى ثمرة ضعف أميركا ونتاج خطاب أوباما في تركيا والقاهرة للتقرب من العرب والمسلمين. ولم يخفف من هذه النظرة تقريباً موقف إدارة أوباما في مجلس الأمن الدولي من مشروع قرار إدانة الاستيطان ومنع إقراره باستخدام حق النقض (الفيتو).
ولكن إلى جانب هذه النظرة تواجدت وتعايشت نظرات أخرى حاولت أن توحي بأن الأمور ليست بالضبط في هذا الاتجاه. وحاول بعض المعلقين الإشارة إلى أن الهزة الأرضية التي تمر بها المنطقة هذه الأيام سوف تترك آثاراً استراتيجية لا يمكن تلافي آثارها. ورغم أن شيئاً لم يتغير بعد، لناحية السياسة المصرية إزاء إسرائيل، إلا أن المراسل السياسي لـ«هآرتس»، ألوف بن لاحظ أن مرور غواصة «دولفين» الإسرائيلية قبل عام ونصف في قناة السويس إلى البحر الأحمر جسّد صورة لتعزيز التعاون الاستراتيجي مع مصر واعتبر رسالة تهديد لإيران. ولكن قناة السويس الآن باتت «وسيلة لنقل رسالة رادعة ولكن في الاتجاه المعاكس»، وضغطت إسرائيل لمنع مرور بارجتين إيرانيتين لكن «المصريين تجاهلوا الضغوط وسمحوا للأسطول الإيراني بالمرور». وأشار بن إلى أن مرور السفن الحربية الإيرانية يمثل «الانعطافة التي طرأت على ميزان القوى الإقليمي في أعقاب سقوط حسني مبارك».
ولكن الانعطافة لا تكمن في هذه النقطة وإنما في بداية استشعار الإسرائيليين بأن ما حسبوا أنه مات عاد حياً. فالانتفاضات الشعبية في الدول العربية وبشكل شبه متزامن تظهر أن ما قيل عن اضمحلال العروبة لم يكن صحيحاً. بل أن الأكاديمي المتخصص في الشؤون العربية، إيلي فودة كتب في «هآرتس» أيضاً أن المحللين أكثروا في السنوات الأخيرة من الحديث عن أن العالم العربي والأيديولوجيا العربية اختفيا مع وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر العام 1970. «ولكن الثورات في تونس ومصر، والتظاهرات العاصفة في عواصم اخرى من الدول العربية (والتي من شأنها ايضاً ان تقود الى مزيد من الثورات)، تثبت، ما اذا كان يلزم الإثبات، بأن العالم العربي لم يختف أبداً». ويعتبر أن أهمية ملاحظة ذلك تفيد في إدراك أسباب «انتقال» الأحداث إلى دول عربية أخرى حيث «العلاقات اللغوية، الثقافية والتاريخية، تجعل العالم العربي ساحة يؤثر فيها حدث يقع في مكان ما، على أماكن أخرى». ويشير هنا إلى أهمية مصر التي قادت على الدوام «خطوات وسياقات في العالم العربي، فمن المعقول الافتراض بأن تؤدي الثورة الحالية ايضاً الى المظاهرات، الانتفاضات، وربما ايضاً الثورات في اماكن اخرى في العالم العربي».
ورأى الدكتور دافيد بقاعي من جامعة حيفا أن المارد العربي خرج من القمقم وأن «ما بدأ في تونس وانتقل الى مصر وليبيا ينتشر كانتشار النار في الهشيم في العالم العربي كله، ويهدد بجر الشرق الأوسط الى عصر آخر من العنف وعدم الاستقرار السياسي. وبخلاف الماضي، ينبع العنف من مصدر جديد غير معروف في السياسة العربية ألا وهو السكان. فقد تبين للسكان انهم يملكون شيئاً جديداً لم يعرفوه قط ولم يستعملوه وهو القوة السياسية. يجري على العالم العربي تغيير جوهري ربما يكون ثورة: لقد كُسر حاجز خوف الجماهير من نظم الحكم والحكام». وأوضح أن «أي نظام حكم عربي لا يستطيع أن يرى نفسه منيعاً من تأثيرات الاضطرابات، في ثلاثة اتجاهات رئيسة: اولاً، الفوضى الخالصة. هذه هي القوة المُسكرة التي ظهرت فجأة عند الجماهير، وتُستعمل مثل حافز يدفع نحو أعمال احتجاج. إن أجيال القمع والاستسلام تنطلق في قوى جبارة معارضة لا مؤيدة بالضرورة. إن رفع النعل في مواجهة الحاكم ظاهرة ثقافية جوهرية ذات تأثيرات كبيرة. وثانياً، سعي دول أخرى الى تأجيج الجماهير، وثالثاً ـ وهذه هي الظاهرة المركزية الأهم ـ نشاط حركات الاخوان المسلمين لضعضعة النظم من الداخل وإسقاطها».
وفي النقطة الثالثة بيت القصيد للكثير من المحللين الإسرائيليين الذين يحاولون طوال الوقت التأكيد لسامعيهم من الأوروبيين أن ما يجري في المنطقة العربية ليس ثورة ولا ديموقراطية وإنما سيطرة للإسلاميين. وفي ذلك يلتقون تقريباً مع أنظمة الحكم العربية القائمة التي تنال شرعيتها لدى الغرب من ادعاء وقوفها في وجه التطرّف الإسلامي.

السفير

» أسئلة صعبة تطرحها الانتفاضة الشعبية العربية على إسرائيل
» الدوايمة \ الثورة الشعبية تشتعل بالدولة العبرية (.مظاهرات في إسرائيل )
» الدوايمة / انفلونزا الثورات العربية ينتشر بسرعة
» الدوايمة\ربيع الثورات العربية يرفع حرارة صيف الاحتجاجات في اسرائيل
» الثورات العربية : نهاية احجار الشنطرنج وسقوط الدكتاتوريات.. ولكن ؟؟؟