أوباما لا تخطئ

أوباما لا تخطئ
الكاتب : عادل عبد الرحمن

في أروقة البيت الأبيض يجري التداول فيما سيكون عليه الموقف الأميركي من التوجهات السياسية الفلسطينية، المتعلقة بالتوجه للأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، لاسيما وان الإدارة الأميركية بقدر ما هي معنية التأكيد على تبنيها خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 67، بقدر ما هي معنية بتأكيد دفاعها عن تحالفها الاستراتيجي مع دولة إسرائيل، وبالتالي انحيازها لها على حساب المصالح الوطنية الفلسطينية والقومية العربية. وللاعتبار الثاني استحقاقاته على صانع القرار الأميركي، فلا يكفي التمسك بالتحالف الاستراتيجي، وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والمالي العسكري لاستمرار تفوق دولة الأبرتهايد العنصرية على الكل العربي، بل المطلوب تنسيق المواقف والجهود الأميركية الإسرائيلية لإجهاض أي تحرك فلسطيني عربي يؤصل للحقوق الوطنية والقومية في المنابر والهيئات الدولية، ويميط اللثام عن الوجه العنصري للدولة الإسرائيلية، وبالتالي يعمق عزلتها الدولية قبل استحقاقات أيلول المقبل وبعدها.
ومن بين العصي الأميركية، التي تسعى الولايات المتحدة لوضعها في دواليب العربة الفلسطينية العربية، لتعطيل حركتها وإرباكها، وقطع الطريق عليها في انتزاع أي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، على اعتبار ذلك «سياسة أحادية الجانب!»، ما يشاع في الآونة الأخيرة عن وجود مشروع خطة أو مبادرة سيطرحها الرئيس الأميركي باراك أوباما عشية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لواشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس ومجلس الشيوخ الشهر المقبل. ووفق ما سربته المؤسسة الأميركية، فإن المبادرة تقوم على ركائز أربع: التأكيد على خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 67. والقدس عاصمة للدولتين، ورفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وضمان امن إسرائيل.
الخطة الاعتراضية الأميركية، فضلا عن أنها تستهدف خلط الأوراق، وتعطيل التوجه الفلسطيني والعربي للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67، لأنها لا تريد للشعب الفلسطيني وقيادته السياسية ولوج طريق الشرعية الدولية، وكونها تريد الاحتفاظ بملف القضية بيدها وحدها دون غيرها من الأطراف والأقطاب الدولية. مع أن التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، لا يوجد به ما يتعارض مع خيار حل الدولتين للشعبين على حدود 67. غير أن الإدارة الأميركية وبالتعاون مع حكومة اليمين الصهيوني المتطرف، لا تريد من حيث المبدأ انتزاع اعتراف دولي جديد بالدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، لأن هذا الاعتراف ينزع من دولة الأبرتهايد الإسرائيلية كل ذرائعها الاحتلالية، ويؤكد على عدم شرعية مستعمراتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، كما ويصوب الخطأ الفادح الذي تضمنته اتفاقيات أوسلو، التي وصفت الأراضي المحتلة بالأراضي المتنازع عليها، أي أنها شككت باحتلال الأرض الفلسطينية، ولم تحدد المحتل منها من غير المحتل، مع أن المادتين الرابعة والخامسة من تلك الاتفاقيات، أشارتا إلى أن الضفة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، هي وحدة إدارية وجغرافية واحدة، والولاية عليها للفلسطينيين. ويملي على المجتمع الدولي مطالبة إسرائيل بالانسحاب من كل الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، التي تعمل سلطات الاحتلال على تهويدها وتصفية انتمائها الفلسطيني العربي.
إضافة لذلك، فإن مشروع المبادرة فيه انتقاص من الحقوق الوطنية الفلسطينية، حيث يحاول الرئيس باراك أوباما أن يلغي حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها عام النكبة 1948 استنادا إلى القرار الدولي 194. وقصر العودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية. وهذا يتنافى مع روح القانون الدولي، ومع الحقوق الوطنية الفلسطينية. وهو ما يرفضه الفلسطينيون بكل قطاعاتهم وتوجهاتهم السياسية.

لذا على الرئيس باراك أوباما إن كان جاداً ومعنيا بطرح مبادرة جديدة، وحتى لا يقع في الخطأ، عليه أولاً دعم توجه القيادة الفلسطينية إلى منبر الأمم المتحدة، لاسيما وانه، هو ذاته من أشار بوضوح في أيلول الماضي إلى رغبته بوجود عضو جديد في هيئة الأمم المتحدة، وحدد ذلك العضو، الدولة الفلسطينية. ثانياً أن لا يقترب من المساس بحق العودة للفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194. وثالثاً أن تتضمن مبادرته نصاً واضحاً بعدم شرعية الاستيطان الاستعماري في الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، عاصمة الدولة الفلسطينية. ورابعاً التأكيد على وجود حماية دولية للفلسطينيين حتى زوال الاحتلال الإسرائيلي. وخامساً عدم اقتصار الحديث عن ضمان أمن إسرائيل فقط، بل يجب أن يشمل البند وضمان أمن الدولة الفلسطينية العتيدة.

كما على رئيس الولايات المتحدة أن يمارس نفوذه وثقله السياسي بالضغط على إسرائيل للالتزام باستحقاقات التسوية السياسية، والتسريع في الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، لإتاحة الفرصة لانبلاج عصر جديد في حياة الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الوطنية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، لاسيما وأن مؤسساتها باتت جاهزة، وهذا ما اعترفت به المؤسسات الأممية، التي يثق بها الرئيس الأميركي وإدارته «البنك الدولي وصندوق النقد الدولي».

» وَعْدُ أوباما وَوَعيدُهُ
» سنة أوباما الأولى.. بين الخُطب الرنّانة والحقيقة الصعبة
» في كواليس سياسة أوباما نحو العرب وإسرائيل
» سفينة (أوباما) وأمواج (اللوبيات) المتلاطمة
» طبخة أوباما "تنضج عربيا"../ عبد الباري عطوان