حكومة الامر الواقع.. أو الفوضى على الطريقة اللبنانية! (( محمد خروب))

مشرف سابق

حكومة الامر الواقع.. أو الفوضى على الطريقة اللبنانية!

بقلم :- محمد خروب

لم يكد سلام فياض يطرح مشروعه ''الغرائبي'' القائم على فكرة اعلان دولة ''الامر الواقع الفلسطينية خلال عامين من الان (كان لافتا أنها لاقت ترحيبا اوروبيا وآخر اميركيا ولكن فاترا)، وهي فكرة اثارت جدلا داخل الساحة الفلسطينية، بل إن هناك من حذر منها واعتبرها سيرا في طريق تصفية القضية الفلسطينية، كما رأت الجبهة الشعبية على سبيل المثال. في وقت رأى فيها اخرون أنها تلتقي في النهاية أو هي تغرف من ''افكار'' شمعون بيرس وبنيامين نتنياهو حول السلام ''الاقتصادي'' مع الفلسطينيين..

نقول: بعد هذا الطرح الفياضي (قياسا على الوصف الذي اطلقه الكاتب الاميركي المتصهين توماس فريدمان عندما انشأ مقالا مطولا لمديح ''الفياضية'' التي نجحت في فرض ''الأمن'' في الضفة الغربية)، برز مؤخرا على الساحة اللبنانية مصطلح جديد عنوانه ''حكومة الأمر الواقع'' لم تعهده تلك الساحة التي لم تعرف الهدوء أو الاستقرار منذ سنوات الاستقلال الاولى (1943) حتى الآن، نظرا لانقساماتها الطائفية والمذهبية وسطوة العائلات السياسية التقليدية وتوظيف الاخيرة (العائلات) للاحتقانات في الشارع لتعزيز نفوذها وارتباطاتها الخارجية أو لتمرير مشروعات اقليمية، إطاحة بمعادلات وتحالفات قائمة او لتكريس قواعد لعب جديدة في بلد بات ''مختبرا'' للسياسات والتجاذبات والسجالات الدولية والاقليمية.

سعد الدين الحريري الذي يستعد لمغادرة العقد الثالث من عمره (39 عاما) فشل حتى الان في تشكيل حكومة ''وحدة وطنية''، ظنا منه انه بطرحه لمثل هذه المقاربة يسير على خطى ''الوالد'' الذي استطاع ان يكون رقما صعبا في معادلة معقدة كان طارئا عليها ثم ما لبث ان غدا احد اركانها بفعل ما توفر له من دعم خارجي (اقليمي ودولي) ناهيك عن الكاريزما الشخصية ''النسبية'' التي اسهمت في انجاح الاختراقات العديدة التي حققها على اكثر من صعيد داخلي وبخاصة في الاستحواذ على الطائفة السنية وقيادتها لاحقا بعد أن ''صفى'' قياداتها السنية ''سياسيا''، فاحتكر لنفسه هذه الصفة بكل ما يؤمنه له المال السياسي من دور متقدم اضافة الى تواضع امكانات منافسيه ''السنة'' على الاقل من السياسي الادمي سليم الحص الى اسامة سعد وايضا عمر كرامي، ناهيك عن العائلات البيروتية.

يسجل للحريري ''الاب'' انه لم يخضع لاراء الدائرة المغلقة التي كانت تحيط به من مستشارين وخبراء وصحافيين واعلاميين وساسة طارئين او اساسيين، بل اختار الحلول الوسط وعدم ايصال الامور الى نقطة اللاعودة مع خصومه (دون ان يعني ذلك بالطبع ان الرجل بلا مشروع سياسي بتحالفاته المعروفة الاقليمية منها والدولية وايضا في النظرة السلبية الى حق مقاومة اسرائيل ولكن دون استفزاز او مواجهة تفضي الى حرب اهلية).

لكن هذا لم يعد جزءا من تقاليد الوريث (الحريري الابن) الذي وجد نفسه اسير عقلية الثأر والتحريض الطائفي والمذهبي، شارك في ايصاله الى هذا المربع، رهط المستشارين غير المؤهلين أو المحسوبين على دوائر ومؤسسات معروفة، ناهيك عن التحالف الذي انخرط فيه بعد اغتيال والده والذي حمل وما يزال يحمل اسم 14 اذار أو ثورة الارز، رغم تصدعه وخروج من يطالب علنا بطي صفحة هذا التحالف الذي كان مجرد تحالف ضرورة وليس تحالفا منسجما أو صاحب رؤى واهداف سياسية وطنية بقدر ما كانت تفوح منها رائحة الانعزالية والطائفية ورفض العروبة واعتبار القضية الفلسطينية عبئا يجب التخلص منه..

سعد الدين الحريري وقد وجد نفسه أمام مهمة ليست سهلة كما اعتقد في البداية يسعى الآن وقد تقلصت هوامش مناوراته، بات محكوما بالاختيار بين طريقين اما تلبية مطالب المعارضة وخصوصا زعيم ثاني اكبر كتلة برلمانية (الجنرال ميشال عون) أو الاعتذار عن الاستمرار في التكليف ما يمهد لتكليف شخصية سنية ثانية (ليس بالضرورة ان يكون فؤاد السنيورة الذي يلقى دعما معلنا من القاهرة وواشنطن)..

لكنه (سعدالدين الحريري) اختار ''وصفة'' غريبة أو وجد من يشجعه على تدمير ''الهيكل'' على الجميع عبر رفعه يوم امس الى رئيس الجمهورية تشكيلة حكومته العتيدة بالحقائب والاسماء، ما سيسرع بتفجير الاوضاع في الشارع (على ما قال عمر كرامي) أو يدخل البلاد في فوضى كاملة، لأن ''كرة النار'' التي التهبت يدا سعد الحريري بها طوال خمسة وسبعين يوما، تـرمى الان في حضن رئيس الجمهورية الذي سيختار هو الاخر الانتحار السياسي، اذا ما وقـع مراسيم تشكيلها لأن عشرة على الأقل هم وزراء المعارضة وفق صيغة (15 + 10 + 5) سيستنكفون، أو يرفض التوقيع، ما يشكل اهانة حقيقية للحريري والفريق الداعم له وعندها ستتوسع ساحات أو ميادين المواجهة التي قد تأخذ اشكالا اخرى، من الغباء الاعتقاد أن اكلافها ستكون اقل مما كانت في سنوات الشلل الحكومي الذي ميز حكومة فؤاد السنيورة - قبل اتفاق الدوحة - تلك الاجواء والمناخات التي اوصلت الامور الى احداث السابع من ايار 2008، والتي يسعى سمير جعجع وأمين الجميل ورهط لا بأس به من المحيطين بالحريري الى استنساخها على طريقتهم، ظنا منهم ان النتائج - هذه المرة - ستكون مغايرة.. فهل ينجحون؟.

الدلائل تشي عكس ذلك تماما..

» هذا زمن... «العكاريت»!! (( محمد خروب ))
» شيوعيون!! (( محمد خروب ))
» قفزة فـي المجهول!! (( محمد خروب ))
» الانتخابات، بما هي حديث و..«حدث»!! (( محمد خروب ))
» المثال... «الأرمني» (1-2) (( محمد خروب ))