الملف النووي أم «عملية» السلام؟ (( محمد خروب ))

مشرف سابق

الملف النووي أم «عملية» السلام؟

بقلم :- محمد خروب

لا يذهب المرء الى مربع المغامرة عندما يقول ان الاولوية لدى عواصم القرار الدولي وعلى رأسها واشنطن هي للملف النووي الايراني، وليس كما يحاول كثيرون في بلاد العرب والسلطة الفلسطينية تسويقه، بأن اوباما الذي سارع (في الايام الاولى لولايته) الى تعيين مبعوث شخصي خاص للشرق الاوسط هو جورج ميشيل، مهندس اتفاق الجمعية العظيمة (الايرلندي) كما يحلو للمسوقين الاشارة الى ذلك في مناسبة وغير مناسبة، للايحاء بأن السناتور السابق يتوفر على خبرات ومهارات وقدرة على تدوير الزوايا وابتكار المقاربات والحلول الوسط التي تسمح لطرفي (أو اطراف) النزاع الادعاء بأنها حققت اهدافها أو انها قدمت تنازلات متبادلة وربما الشعور في النهاية بالرضى..

يغيب عن بال هؤلاء ان الزخم الذي قاد خطوات اوباما في ايامه الاولى في البيت الابيض قد تبدد، ليس فقط لأن الرجل لم ينو ذات يوم الانقلاب على اسرائيل (التي تربطها ببلاده علاقات تاريخية وثقافية عميقة عصية على الانفكاك كما قال في خطابي جامعة القاهرة وانقرة)، ووضعها أمام اثمان واكلاف تحدي مطالبه المتواضعة التي تتمثل في تجميد (مجرد تجميد) الاستيطان والاعتراف بحل الدولتين، وانما ايضا لأن الرئيس الديمقراطي الذي اراد إحداث قطيعة من فترة سلفه في البيت الابيض لم يتوفر على خطة ذات رؤى وافكار واضحة ومحددة بأجندة زمنية تلحظ أن اسرائيل قد اقتربت من نسف فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة عبر تواصل عملية الاستيطان وتهويد القدس وتقطيع اوصال الضفة الغربية وفي الاساس الاجهاز على ما تبقى من السلطة الفلسطينية التي ينحصر دورها في ملء معتقلاتها بمعارضيها من حماس والمنظمات الرافضة لمسار المفاوضات الذي يقوده محمود عباس، على نحو لم يعد الاسرائيليون في الحكومة واجهزتها الاستخبارية والعسكرية كذلك الاعلامية، يخفون رضاهم وسرورهم من النجاحات التي تحرزها اجهزة السلطة في هذا المجال.

من هنا، يقترب الموعدان اللذان حددتهما ادارة اوباما للكشف عن الكيفية التي ستتعاطى بها مع عملية السلام (...)، حيث تترقب عواصم المنطقة ما ستنطوي عليه المواقف الاميركية التي جرى الحديث عنها طوال الاشهر السبعة الاخيرة والتي بدت للحظة انها هي بالذات ستـدخل باراك حسين اوباما التاريخ من اوسع ابوابه وستمنحه ايضا فرصة الانضمام الى نادي حملة جائزة نوبل للسلام.

لكن الحلم تبدد والذي نجح في تبديده هو بنيامين نتنياهو شخصيا بمساعدة اللوبي اليهودي داخل الكونغرس وايضا غلاة اليمينيين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي (وقعوا عريضة تأييد لاسرائيل) يريدون إغراق الرئيس الديمقراطي في مزيد من المشكلات واظهاره على انه مجرد حكاء لا يغادر مربع الكلام وهو بالتالي غير قادر على صناعة التاريخ، ولم تكن العراقيل التي يضعها الجمهوريون في طريق مشروع اوباما للرعاية الصحية سوى ترجمة عملية لما يمكن ان تسفر عنه السجالات المحتدمة في اروقة الكونجرس والساحة الاعلامية والتي تطال مساحات وملفات اخرى كالحرب في افغانستان وتصريحات اوباما التي تغمز من حرب العراق والتي رآها الرئيس الاميركي بأن حرب خيار (وهذا ما يثير غضب غلاة الجمهوريين ويدفع بنائب الرئيس السابق ديك تشيني الى شن هجوم لاذع على اوباما واتهامه بعدم النضج السياسي وأنه يريد تثبيط عزيمة الاميركيين، فيما يرى (اوباما بالطبع) أن حرب افغانستان هي حرب الضرورة وهذا يمنح لاشرعة الجمهوريين رياحا جديدة واضافية لاتهام اوباما بأنه لا يملك استراتيجية واضحة حيال الحرب الضروس الدائرة الان في البلد الذي يـعرف بأنه مقبرة الامبراطوريات، ولم تكن مفاجـئة الدعوات التي انطلقت في واشنطن كما في عواصم حلف الاطلسي المشاركة في الحرب على افغانستان، المطالبة بتحديد جدول زمني لهذا الانسحاب المطلوب.

قصارى القول ان اوباما قد غرق أو أغرق في لـجة من المشكلات والقضايا الداخلية والخارجية، على نحو زاد من ارباكه وتراجع هوامش تحركه، ولهذا بات في حاجة ماسة الى أي انجاز سياسي وليس هناك ملف مرشح لمثل هذا الطموح سوى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي اعتقد الرجل ؟ لفرط سذاجته - انه في متناول اليد وان الطريق اليه يمر عبر طرح مطلبين ملتبسين رغم أن تنفيذهما يحتاج لعقود طويلة حتى يصل الى نتيجة تذكر..

نتنياهو كان له بالمرصاد وها هو جورج ميتشل يسقط امام نتنياهو ولا ينجح حتى بعد جولة مباحثات ثانية من زحزحة رئيس حكومة اسرائيل عن مواقفه المتغطرسة والمزدرية، لا تراجع عن الاستيطان ولا عن رؤيته التوراتية للقدس ولا حتى من قضايا الحدود والمعابر والمياه، بما هي موضوعات الحل النهائي غير قابلة للتفاوض في نظر نتنياهو الذي يطالب محمود عباس ليس فقط في الاعتراف بيهودية اسرائيل وانما في الخروج على الشعب الفلسطيني وابلاغه بأن الصراع مع اسرائيل قد انتهى (كذا)..

ثمة خيار آخر أمام اوباما سيكون متاحا بعد اسبوع من وصوله نيويورك للمشاركة لأول مرة كرئيس في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولن تأتي القمة الثلاثية التي ستجمعه بنتنياهو ومحمود عباس (وهي ستـعقد ولن تكون قيمة لكل التصريحات الخجولة الرافضة لها، التي اطلقها محمود عباس وصائب عريقات) بأي جديد تماما كما هي خطة اوباما (ليست خطة بل مجرد افكار وحديث عن مسارات تفاوضية اقرب في صيغتها الى سيناريوهات انابوليس ولو في نسختها الاوبامية)..

اذا... الملف النووي الايراني هو الخيار وهامش المناورة الاوسع وربما اظهار الحزم الاوبامي الكلينتوني ازاء طموحات طهران النووية حيث احتمالات عقد الصفقات أو التهديد بشن الحروب أو التلويح بفرض المزيد من العقوبات (بعد أن ابدت موسكو بعض التجاوب مع دعوات تشديد العقوبات)..

لهذا.. سيتعين على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ان يبقى في ثلاجة الانتظار تمهيدا لدخول العرب والفلسطينيين في مرحلة جديدة من التيه وفقدان المزيد من الوزن والكرامات..

عظـم الله اجركم..

» المثال... «الأرمني» (1-2) (( محمد خروب ))
» هذا زمن... «العكاريت»!! (( محمد خروب ))
» شيوعيون!! (( محمد خروب ))
» قفزة فـي المجهول!! (( محمد خروب ))
» الانتخابات، بما هي حديث و..«حدث»!! (( محمد خروب ))