أنفاق غزة .. ممرات حياة ومقابر موت ]
[img(300px,212px):ee9e]
http://www.rumonline.net/images/content/content/IMG_1601[1].jpg[/img:ee9e] يتواصل العمل في الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة والأراضي المصرية رغم حالات الموت المتكررة هناك، والمخاطر التي تطال العاملين في تلك الأنفاق، وانتقل العمل فيها من تهريب الحاجيات الأساسية لسكان غزة، ووصل إلى الأدوات الترفيهية، حتى أن أحد الأنفاق بات مخصصا لنقل سيارات يتم تهريبها بشكل كامل، فيما تعمل أنفاق أخرى على تهريب السيارات بشكل مجزيء ويتم إعادة تجميعها في غزة، وللأنفاق قصص وحكايات، ترويها مراسلة إيلاف من غزة.
غزة: لم يكن الوضع طبيعيا حال وصولنا إلى منطقة الأنفاق المحفورة على طول الشريط الحدودي بين قطاع غزة والجانب المصري، العمال لم يكونوا كعادتهم في عمق الأنفاق لإدخال البضائع وتهريبها إلى غزة، أو حفر المزيد من الانفاق، كانوا متفرقين في أماكن قريبة من تلك الممرات الأرضية، يترقبون الأوضاع من حولهم بحذر شديد، فيما توقف العمل في أعداد كبيرة من الأنفاق، بسبب القصف الإسرائيلي لتلك المنطقة مؤخرا.
العمال كانوا يراقبون وجود الطائرات في سماء المنطقة، ويستمعون إلى الأجهزة اللاسلكية التي تحتوي على ترددات أمن الحدود الفلسطيني ليكونوا على علم بحركة الطيران الإسرائيلي.
هذه الأجواء عايشتها "إيلاف" من خلال زيارتها لإحدى مناطق الأنفاق التي من خلالها يتم رؤية المنازل والأعلام المصرية، حيث مشاهد الخيام المتلاصقة التي تغطي مداخل الأنفاق، التي لا زالت عمليات التهريب تتواصل فيها، ويتم نقل البضائع للقطاع المحاصر، بل أن أصحابها تمكنوا مؤخرا من إدخال سيارات وجيبات حديثة بشكل كامل ومجزئ، بعد أن مُنع إدخالها منذ ثلاثة أعوام.
سيارات حديثة
[img(300px,195px):ee9e]
http://www.rumonline.net/images/content/content/f[1].jpg[/img:ee9e]وقال العامل في أحد أنفاق تهريب السيارات يدعى "أبو شهاب" لـ"إيلاف" خلال تواجده في محيط الأنفاق الحدودية:" إن عملية إدخال السيارات عبر الأنفاق بدأت منذ منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي بسبب الإلحاح الشديد على إدخالها لندرة وجود السيارات الحديثة، وتم جلب أعددا كبيرة من السيارات والجيبات إما كاملة، أو عبارة عن عدة أجزاء، وذات موديلات مختلفة، وذلك عبر أنفاق مخصصة لها".
مدخل أحد الأنفاق "عدسة إيلاف"
وأوضح أن عملية إدخال السيارات تختلف حسب طبيعة الأنفاق، فغالبية الأنفاق تقوم بنقل السيارات عبارة عن عدة أجزاء كان يتم نقلها إما أربعة قطع، وإما كل قطعة لوحدها، وهناك قطع يتم إدخالها منفردة، لحاجة السوق لقطع غيار للسيارات القديمة.
أما بالنسبة للجيبات فتم إدخالها كاملة عبر أنفاق مخصصة، بحسب "أبو شهاب"، حيث كان يدخلها سائق من الجانب المصري عبر أنفاق تتميز باتساعها، ومن ثم يعود، وعدد الأنفاق التي تقوم بذلك نفقين فقط، حيث يبلغ عرض النفق الواحد مترين و20 سم، وطوله ثلاثة أمتار.
وذكر أن أنواع الجيبات التي تم إدخالها هي من طراز "مازدا"، و"نيسان"، و"لاند روفر"، و"ماجنوم"، وبلغ عددها ما يقارب 50 جيبا، أما السيارات الصغيرة التي يتم إدخالها بأعداد كبيرة، فأكثر أنواعها من طراز "مرسيدس"، و"هونداي"، و"فولكس فاغن"، و"بي أم دبليو".
وأوضح أحد عمال الأنفاق، أن السيارات التي تم جلبها مجزأة، ينقلها التجار إلى ورش خاصة بتجميعها بغزة، أو بيعها وهي مجزأة لحاجة السوق لقطع غيار.
وأشار إلى أن أصحاب الأنفاق أوقفوا عمل تهريب السيارات بشكل كامل بسبب استهداف النفق الذي يُدخلها، حيث تم قصف أحدها منتصف شهر أكتوبر الماضي، كما أن الحكومة المقالة بغزة رفضت ترخيص هذه السيارات، واعتبرتها غير رسمية.
سيارت تم تهريبها عبر الانفاق وإعادة تجميعها في غزة
من جهة أخرى، قال وزير النقل والمواصلات بالحكومة المقالة أسامة العيسوي:" نحن لا نتعامل مع السيارات التي يتم جلبها عبر الأنفاق، ونعتبرها غير رسمية، ولم نسجلها في سجلات دائرة الترخيص، لأنها لا تحمل شهادة منشأ، أو عقد بيع موثق، وما نتعامل معه فقط السيارات التي يتم إدخالها عبر المعابر، وتحمل أوراقا رسمية، ومعلومة المصدر".
وأضاف:" لا يوجد لدى وزارة النقل والمواصلات أي معلومات دقيقة حول أعداد وأنواع السيارات التي يتم إدخالها عبر الأنفاق، فنحن لم نتدخل في أمرها حتى هذه اللحظة، ولكن إذا دعا الأمر إلى التدخل فلن نتوانى عن ذلك".
وأكد العيسوي على حاجة القطاع إلى دخول آلاف السيارات الحديثة، وقطع الغيار للسيارات الهالكة والمتردية، حيث لم يتم إدخال أي سيارة حديثة إلى غزة أو قطع غيار للسيارات القديمة منذ ثلاث سنوات بفعل الحصار، مشيرا إلى أن وزارة النقل والمواصلات لم تجد أي طريقة لإصلاح السيارات الهالكة، والتي تضررت ودُمرت خلال الحرب الأخيرة على القطاع.
بضائع الأنفاق
[img(300px,400px):ee9e]
http://www.rumonline.net/images/content/content/IMG_1589[1].jpg[/img:ee9e]وقال أحد شركاء الأنفاق ويلقب بـ"أبو محمود" وهو يتفقد نفقه بعد قصف النفق المجاور له قبل يومين:" إ، الأنفاق تستخدم في جلب المواد الضرورية لأهل القطاع المحاصر، والتي حرموا منها بفعل إغلاق المعابر، فيتم إدخال المواد الغذائية والتموينية، والأدوية، وحليب الأطفال ومواد البناء، والملابس، بالإضافة إلى الأجهزة الكهربائية، والمواشي، كما تم إدخال بعض المركبات مثل الدرجات النارية والسيارات".
وأضاف:" أما بالنسبة للمخدرات والأسلحة فنحن لا نتعامل بها بتاتا، ولكن من الممكن أن تكون لهذه العملية أنفاق مخصصة وهناك أشخاص معنيون بذلك، ولكن نحن لا نعلم بأمرهم، فقط نسمع عنهم".
وأوضح أبو محمود، أن أصحاب الأنفاق يؤمنوا على أرواح العمال بإمضائهم على ورقة قبل استلامهم عملهم، وذلك لخطوة العمل في الأنفاق، وتزايد سقوط ضحايا من بين العمل، حيث يكتب تعويض للعامل المتزوج في حالة مفارقته للحياة بسبب عمله بالأنفاق ما يقارب 10000 دولار، وللأعزب 7000 دولار.
وأشار إلى أن أعمار عمال الأنفاق تتراوح ما بين 18- 50 سنة، لافتا إلى أن غالبية الأنفاق أوقفت عملهم لخطورة العمل، وارتفاع عدد الضحايا.
قطع سيارات تصل غزة تمهيدا لتجميعها "إيلاف"
وبين أحد شركاء أنفاق غزة، أن مدة حفر وتجهيز النفق للعمل يكون حسب المسافة، والأيدي العاملة، حيث ما بين 3 إلى 4 شهور، أما تكلفة حفر كل 500 متر تتراوح بين 60 إلى 70 ألف دولار.
وذكر أن عدد الأنفاق على طول الشريط الحدودي بين القطاع والجانب المصري ما يقارب 1400 نفق.
وقال "أبو محمود" بصوت مختنق:" إن مخاطر العمل في الأنفاق أرحم بالنسبة له من شظف العيش، وانعدام مصدر الرزق، وعدم توفير لقمة العيش لأسرته الكبيرة، مشيرا إلى مخاطر العمل في الأنفاق مختلفة، ومنها، الصواعق الكهربائية، والقصف الإسرائيلي، وانهيار الرمال، وتسرب خطوط الغاز والوقود.
وترتفع أسعار البضائع التي يتم إدخالها عبر الأنفاق عن التي كانت تدخل عبر المعابر، وعن ذلك قال "أبو نادر" مشرف على عمل أحد الأنفاق:" إن أسبب ارتفاع أسعار بضائع النفق عن بضائع المعابر يعود لمخاطر العمل، ودفع أموال لجهات أكبر من التي تدخل عبر المعابر، حيث أن صاحب النفق له نسبة، والتجار المصريين لهم نسبة أيضا، بالإضافة إلى أجور العاملين في النفق الواحد والذين يتجاوز أعدادهم 20 عاملا".
وأوضح أن ما نسبته 10 % من البضائع التي يتم إدخالها تتعرض للسكر أو تقل من جودتها، بسبب نقلها من أعلى أرضي إلى النفق، ومن ثم إخراجها مرة أخرى، وخاصة الأجهزة الكهربائية، والزجاج، مشيرا إلى أن العمال يأخذون احتياطاتهم من تلف البضائع، حيث يلفونها بالكرتون والنايلون حتى لا تتلف أو يتسرب لها الرمال، خاصة المواد الغذائية.
وذكر أبو نادر أن عدد العمال الذين يحفرون النفق من الداخل 7 عمال، بينما أعداد الذين ينقلون البضائع فتتراوح ما بين 20 إلى 30 عامل حسب طبيعة البضائع، وذلك لتسهيل عملية النقل، وتقريب المسافة، في عمل النفق حيث هناك أنفاق يصل طولها باتجاه الجانب المصري كيلو متر.
وأوضح أن متوسط طول النفق في العمق "البئر" يتراوح ما بين 11 إلى 30 متر، بيمنا يتراوح طوله حتى الجانب المصري ما بين 350 متر، إلى كيلو متر.
المناطق الحدودية .. المكان المفضل لحفر الأنفاق "إيلاف"
طفل مصري في النفق
خلال حديثنا مع عمال الأنفاق الفلسطينيين في مدينة رفح، لاحظنا طفل شكله ولهجته غريبة عنهم، لنكتشف بعد ذلك أنه طفل مصري، وهو أصغر أمين في الأنفاق، حيث أن الأمين وظيفته التأمين على عين النفق الفلسطيني في الجانب المصري، والتأمين على إدخال البضائع من الجانب المصري إلى غزة، وكان يتواجد في جهة النفق بالقطاع للنقاش في أمور العمل.
وقال الطفل المصري لـ"إيلاف" وقد نال التعب منه:" بدأت أعمل مع والدي منذ عامين في الأنفاق التي تنقل خطوط الوقود إلى غزة، ومنذ 5 شهور انتقلت للعمل في أنفاق نقل البضائع كأمين على عين أحد الأنفاق، وكان بداية العمل شاق، خاصة كونه تحت الأرض، ولكن مع مضي الوقت أصبح الأمر سهلا".
وأضاف:" إن أعمل كأمين نفق بالإضافة إلى التأمين على عين النفق في الجانب المصري، ونقل البضائع داخل النفق إلى الجانب الفلسطيني، حيث أزحف مسافة 400 متر في الليل، وذلك لأن وقت الصباح يكون لدي دوام دراسي".
ولم يخف أصغر أمين أنفاق بؤسه عندما سألناه عن تأثر عمله في الأنفاق على تحصيله الدراسي، حيث قال:" إن الوضع المادي الصعب الذي تعاني منه عائلتي هو ما دفعني للعمل في الأنفاق، ورغم ذلك لم يؤثر عملي على دراستي، فلدي القدرة على التوفيق بين كلا الأمرين، حيث أخصص بعض الساعات، أو الأيام للدراسة، كما أنني لا أغيب عن الدوام الدراسي لصالحي العمل".
حكايات الموت
الشاب "أبو جبل" 27 عاما أحد عمال الأنفاق، والذي فضل ذكره بهذا اللقب، له مع الموت أكثر من حكاية داخل الأنفاق، فقد انهالت عليه الرمال خلال عمله أكثر من مرة، وفي كل مرة يكتب له القدر النجاة، ورغم ذلك يعاود العمل غير مكترث بالمخاطر التي قد تودي بروحه في أي لحظة كما أودت بأرواح عشرات العمال.
وقال وهو ينظر إلى النفق الذي واجه المخاطر داخله أكثر من مرة:" منذ بداية عملي في الأنفاق كانت مهمتي حفرها وتجهيزها "القطيع" انهارت علي الرمال، وحاولت أن أحفر ولم أتمكن بسبب اندفاع الرمال، وبدأ الأوكسجين ينقطع عني، ومن خارج النفق أسرع العمال على الحفر، وفي آخر لحظة وصلا أيديهم وسحبوني، ونجيت بفضل الله"
وأضاف:" وفي مرة ثانية كنت أوضع أخشاب على جانبي النفق في العمق، ولكنها انهارت علي بسبب اندفاع الرمال الناعمة، وتمكن العمال من إنقاذي بعد أن أصبت بجروح في وجهي وقدمي ويدي".
ولم تقتصر حكايات الموت التي مر بها "أبو جبل" على ما حدث معه شخصيا، بل عايش حكايات أكثر قساوة مع ثلاثة أشقاء من زملاءه العمال، حيث وافتهم المنية في شهر رمضان الماضي وهم يعملون في أحد الأنفاق، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية النفق، فانهارت الرمال على أحدهم وهو "منصور البطنيجي"، وكان شقيقاه "وائل" و"إبراهيم" يبعدان عنه 5 أمتار، فسارعا لإنقاذه، ولكن لم يتمكنا من الإلحاق به، لأن اندفاع الرمال كان قوي، وقد انهارت عليهما أيضا، ليفارق الأشقاء الثلاثة الحياة في لحظة واحدة، ونفق واحد.
حصد الأرواح
وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان في إحصائية أصدرها مؤخرا عن مخاطر الأنفاق:" إن الأنفاق تواصل حصد أرواح العمال بها، فقد شهد اليوم الأول من شهر نوفمبر الماضي مقتل فلسطينيين اثنين، وبذلك يرتفع عدد من قتلوا داخل الأنفاق ليصل إلى (120) فلسطينياً من بينهم (4) أطفال و(110) قتلوا خلال عامي 2008 -2009".
وأشار إلى أن الأشهر المنصرمة من عام 2009 سجلت أعلى نسبة وفيات حيث بلغ عدد القتلى (59) قتيلاً حتى تاريخه وعدد المصابين "250" مصاباً سقطوا في حوادث متفرقة خلال الأعوام الماضية.
وكانت الأنفاق شهدت الصيف الماضي حادثا هو الأسوأ منذ عامين، عندما لقي ثمانية عمال حتفهم وهم يعملون داخل نفق أرضي، ووفقا لروايات بعض العمال ومنقذين كانوا يحاولون انتشال الضحايا، فإن الحادث وقع بعد عطل أصاب أنبوب وقود في نفق مجاور أدى إلى تسرب كميات كبيرة من الوقود داخل نفق يوجد بداخله الشبان.
وأعرب مركز الميزان لحقوق الإنسان عن أسفه الشديد لاستمرار سقوط الضحايا ممن دفع الفقر والفاقة أغلبيتهم للمغامرة بحياتهم من أجل لقمة العيش، مطالبا الحكومة المقالة وجهات الاختصاص فيها اتخاذ التدابير التي من شأنها حماية أمن وسلامة من يعملون في تجارة الموت هذه كافة.
حالة استثنائية
من جهة أخرى، قال الناطق باسم وزارة الداخلية في الحكومة الفلسطينية المقالة، إيهاب الغصين لـ"إيلاف":" إن غالبية عمل الأنفاق هو لجلب البضائع والاحتياجات الضرورية للشعب المحاصر، ولكن هناك عدد منها لا يقتصر على إدخال البضائع فقط، بل يُستخدم في تهريب مواد ضارة مثل المخدرات والممنوعات، وهناك شبه سيطرة عليها، وقد اعتقلنا بعض تجار ومروجي المخدرات".
وأضاف أنه في بعض الأحيان "لا تستطيع الحكومة متابعة الأنفاق القريبة من الاحتلال الإسرائيلي على الحدود الشرقية الجنوبية من الحدود المصرية الفلسطينية، والشرطة لا تستطيع الوصول إلى تلك الأماكن".
وأوضح الغصين، أن الأنفاق "ظاهرة غير قانونية، ولكنها حالة استثنائية، وهي إبداع من إبداعات الشعب المحاصر، جاءت للتخفيف من الأزمة والحصار، وعملت على توفير فرص عمل للشباب، حيث يحق لمن هم فوق 17 سنة العمل فيها، وهذه الظاهرة ستنتهي بانتهاء الحصار" .
.....
المصدر
رم سياسة