مشهدان مختلفان بين موت في أنفاق رفح وحياة في منجم سان خوسيه في تشيلي

مشهدان مختلفان بين موت في أنفاق رفح وحياة في منجم سان خوسيه في تشيلي

الخميس أكتوبر 14 2010

من عمليات الانقاذ في غزة

رفح – من محمد الأسطل - أعادت مشاهد إنقاذ عمال المنجم في تشيلي إلى الذاكرة الفلسطينية مشاهد إنقاذ عمال الأنفاق الذين انهارت عليهم الكتل الرملية فسدت ممرات الأنفاق التي يعملون فيها من الجانبين، ليحاصروا من دون أن يستطيع أن يفعل لهم أحد شيئاً لانقاذهم من حتف محتوم في غالبية الاحيان بينما ينجو القليل.

ورغم اختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأدوات والنتائج فان مضمون المشهد واحد: عدد من العمال عالقون تحت الأرض، يبحثون عمن ينقذهم من موت محقق يشعرون به في كل لحظة. لكن قطاع غزة المحاصر ليس ذلك المكان الذي تتوافر فيه المعدات الكافية لإنقاذ عمال علقوا على عمق عشرات الأمتار فقط وليس على عمق يقرب من 700 متر كما هو الحال في تشيلي.

التقت عدداً من الناجين من الموت في الأنفاق من بينهم أبو أحمد، إذ يروى كيف سدت أمامه كل الفرص للنجاة من موت محقق بعد حدوث انهيارات في النفق الذي كان يرممه، فكتل طينية من الأمام والخلف وهو محشور في مساحة لا تزيد عن 3 أمتار مربعة، ليبدأ في الصلاة ونطق الشهادتين قبل أن يمد له حبل النجاة.

وقال: "فجأة أدخلوا لي من الخارج أنبوب بسعة نصف إنش لإدخال الهواء لأستطيع التنفس في النفق إلى حين تمكن الطواقم المختصة من إخراجي". وأضاف: "لحظتها عادت إلي الحياة من جديد وشعرت أن لحظات الموت المحقق في طريقها إلى النهاية، وهذا ما حدث".

وذكر أبو أحمد أنه لم يصدق نفسه لحظة وصول الجرافات إلى موقعه وإخراجه من النفق، إذ ظل يبكي لساعات طويلة، أعلن خلالها للجميع أنه لن يعود إلى العمل تحت الأرض وسيبحث عن أي عمل فوقها، أملاً في عدم تكرار ما حدث.

أما عامل الأنفاق أبو إبراهيم الذي نجا هو الآخر من انهيار أحد الأنفاق جراء القصف الإسرائيلي أثناء وجوده فيها، فيبكي فرحاً كلما أخرج عامل جديد من المنجم في تشيلي لأنه يعرف شعوره في هذه اللحظة، إذ تعود به الذاكرة إلى الوراء قليلاً لما قبل عام ونصف عام، عندما استطاع زملاؤه إنقاذه من الموت.

وقال: "أعرف شعورهم لحظتها. فرحة لا يمكن وصفها. الحياة تعود إليهم من جديد فيستذكرون تفاصيل كل لحظة قضوها تحت الأرض، ولا يغيب عنهم أحساسهم بالموت البطئ". وأضاف: "تحت الأرض لا تشعر الا بالموت القادم والأمل يكون ضعيفاً في النجاة مهما كانت التأكيدات من السطح، طالما أنك لا ترى أصبع يدك وتلمس الطين من حولك".

وإذا كان حبل النجاة امتد لبعض من حوصروا في الأنفاق الممتدة أسفل الحدود الفلسطينية – المصرية، فإن مصير الكثيرين كان الموت المحقق، بخلاف فلورنسو أفالوس الناجي الأول من منجم تشيلي، إذ لم تتمكن طواقم الدفاع المدني من إنقاذهم لضعف المعدات والتجهيزات، كما هو حال الشاب أيمن جمال أبو سمك (23 عاماً) الذي توفي اختناقاً بعد انهيار نفق قرب منطقة يبنا على الشريط الحدودي جنوب رفح.

ويقارن رفاقه في العمل بين مأساة الإنفاق المتكررة في رفح وبين حالة الإنقاذ المبهرة في تشيلي. حالتان مختلفتان لا تجمعهما سوى الحاجة إلى العمل كما قالوا. في الأولى عمال على بعد لا يزيد عن 30 متراً ولا يستطيع أحد إنقاذهم ليكون الموت مصيرهم المحتم، وفي الثانية تصل المسافة إلى 700 متر تحت الأرض وتنشغل الدولة والعالم بأجمعه في إنقاذهم، فيكون المصير الحياة.

قال أحد العمال: "والله أحسدهم في تشيلي. الدولة كلها انشغلت في إخراج 33 عاملاً من تحت الأرض، ونحن نموت يومياً من دون أن يشعر بنا أحد". وأضاف: "وفاة عمال الأنفاق تحت الأرض أصبح شيئاً يعتاد عليه أهالي القطاع ولا يحرك في أحد أي مسؤولية".

وذكر مركز "الميزان" لحقوق الإنسان أن الأنفاق تواصل حصد أرواح المواطنين، وان العام الجاري شهد مقتل 5 فلسطينيين، وإصابة 106 في حوادث متفرقة، وبذلك يرتفع عدد من قتلوا داخل الأنفاق ليصل إلى 141 قتيلاً والمصابين إلى 353 مصاباً منذ العام 2006.

وجدد مطالباته السابقة للحكومة المقالة في غزة بالشروع فوراً في ممارسة واجباتها القانونية ووقف كارثة الأنفاق، واتخاذ التدابير كافة التي من شأنها أن تحمي عامليها وتحمي المواطنين من تبعات انفلاتها.

» الكشف عن مخطط لإقامة أنفاق إسرائيلية تخنق المسجد الأقصى وتهوّد محيطه
» صور مدهشة جداً لثوران بركان في تشيلي !
» «ويكيليكس»: اسرائيل تراقب تدفق الفلسطينيين الى تشيلي
» أنفاق غزة .. ممرات حياة ومقابر موت
» الاحتلال يفتتح شبكة أنفاق تحت الحرم والبلدة القديمة في القدس