الدوايمة / الفنان عبد الحي مسلم عالمياً

صحيفة الوقت

أوان الوقت
عبدالحي مسلم.. الفطرية حين تسترد قرية فلسطينيـة
خليل قنديل
من قال إن الأماكن حينما تهاجم وتحتل ويتشرد أصحابها في المنافي والأماكن المُقترحة، تكف عن حضورها التراجيدي، والمُؤثر في وجدان أصحابها، ولا تحل فيهم بما يٌشبه المس؟
من قال إن الأماكن حينما يُسرق منها حضورها البشري المُتجذر فيها، ليحل فيها الغازي والمُحتل، لا تُعيد إنتاج بيوتها وشوارعها وسهولها وجبالها وأشجارها، في أرواح الخارجين منها؟ من قال إن الأمكنة تتخلى عن روح قاطنيها الذين أثثوها بالحضور المتواصل لسنوات لها سمة التأبيد؟
من قال إن الأمكنة وحينما تُحتل، ويقتلع أصحابها منها، لا تنقسم الى حالتين، حالة تُعاني من حضورها المادي الفيزيائي المُعتقل في صلادة الخلق والتكوين، وأخرى تذهب نحو التبلل بعرق الذي مدّ الطريق الأولى فيها، وحرث أرضها، وساعد في انبثاق أشجارها، واستدل على ينبوعها؟ إن الأرض حينما تُحتل تصير عند أصحابها أغنية أبدية، وشهقة تحسر تفجر القدرة على إطلاق القصيدة، واللوحة، والرواية، والقصة.
ولعل هذا الذي لم يفهمه المُستعمر والمُحتل عبر التاريخ. ولعل هذا مالم يفهمه الاحتلال الصهيوني لفلسطين. وفي الحديث عن قرية ‘’الدوايمة’’ الفلسطينية، التي باغتها الاحتلال الصهيوني العام 1948 وبث فيها الرعب من خلال مذبحتها الشهيرة، التي اقترفتها عصابات شتيرن، وهجّر أهلها، لابد وأن نستذكرتلك العلاقة الغامضة بين المكان وصاحبه الأصيل.
ويمكن القول بأن الفنان ‘’عبدالحي مسلم’’ المولود في قرية الدوايمة العام ‘’,’’1933 هو من أهم الحالات الفلسطينية التي تستدعي الدراسات البحثية المعمقة، للاستدلال على قدرة الإنسان المُقتلع من مكانه، في الحفاظ على هذا المكان، وتأبيده في الذاكرة، بالبهاء ذاته الذي تشكل في وجدانه.
فعبدالحي مسلم الذي خرج من ‘’الدوايمة’’ وهو على عتبة الرجولة ‘’’’15 عاما، كان لحظة خروجه وعلى رغم الانشطار الطولاني الذي أحدثه الاحتلال في روحه، قد استكمل الحدوث المكاني لقريته في روحه، بمعنى أن روحه تغمست بتلك اللمسة الصوفية، التي أسس لها الشيخ الصوفي ‘’عبدالدايم’’ في القرية التي حملت اسمه لاحقا. تلك اللمسة التي تجعل ‘’الدايمي’’ يشعر دائما بأنه يجاور رحمة الله.
ولعل هذه اللمسة الصوفية هي التي جعلت عبدالحي يكفر بكل المُقترحات الفكرية والمعرفية، التي كان من الممكن أن ينخرط فيها، كي يُجيب على الأسئلة العميقة التي ظلت تقارع وجدانه عبر الأمكنة والمنافي، ويبقى مرتهنا لتلك اللمسة، إلى أن أمسكت بأصابعه وهو في عقده الرابع، وتحديدا في ليبيا، ودلته على أن يُشيد لوحته الأولى.
في تلك اللحظة التي استدل فيها على مزج النجارة بالغراء وتجسيمها على اللوحة، بدا عبدالحي مسلم وكأنه استرد قرية ‘’الدوايمة’’ كاملة الدسم وبالطزاجة ذاتها التي تركها فيها لأول مرة. صار الأمر يبدو وكأن اللوحة عند عبدالحي مسلم ليست خاضعة ذلك النهج الذي يخطط للعمل الفني، ولا لأية مدرسة فنية سابقة.
إن اللوحة عند مسلم صارت حالة من التدفق الفطري، ذلك التدفق الذي يجيء من نبعه الأول ‘’الدوايمة’’، وصارت الصور تأتي متلاحقة من كنز الدهشة الأولى. وصار يمكن للفنان مسلم أن يتلمس يُتمه المتمثل بالموت المبكر للأب، وأن تحضر الى ذاكرته تلك الأم والشقيقات الخمس، وحوش الدار، وتلك الرمانة المنتصبة في البيت، وذلك التسلق الشقي للفتى الصغير لجذع الرمانة واغصانها كي يستمع لبوح النسوة في الضحى الانثوي للقرية.
قرية كاملة أخذت تتدفق في النشارة والغراء بأعراسها وأحزانها وحقولها، وأغاني رعاتها المحملّة بذلك الغزل الشفيف. إن لوحة عبدالحي مسلم تثقف الطفولة التي سرق مكانها المُحتل، وتعيد إنتاج قرية الدوايمة من جديد، مثلما تُعيد كل القرى التي اقتلع سكانها المُحتل الغاشم، لتؤكد بأن الأمكنة حينما تصادر وتؤخذ، لاتبقى مكانها بل تتفجر وتتشظى، لتصبح عبارة عن أيقونة يحملها أصحابها في أعناقهم كقلادة أبدية.
ومن يرى عبدالحي مسلم وهو يكور نشارته الذهبية، ويمنحها تلك الألوان ذات الطعم التاريخي والاسطوري، ويحدق في ملامحه النحيلة التي حطت في أكثر من منفى، لابد وأن يتأكد من أن عبدالحي مسلم مازال يُقيم في قرية اسمها ‘’الدوايمة’’.
ومازال يقبض عليها بأصابعه النحيلة يكورها ويعجنها بالنجارة والغراء ويؤبدها في لوحة.

............................................................................................................................................


المصدر : هنادي دوارة
14/05/2008
بنفس البساطة التي روى فيها الفنان "عبد الحي مسلم " روايته عن لوحات ناطقة باسمه، كذلك قدَّمت تفاصيل اللوحات وألوانها ومواضيعها الفنية نفسها والتزامها بقضية تشعَّبت لتطال المقاومة والحب، الحياة، الفرح والحزن، ولتثبت أنَّ الحياة مستمرَّة، لوحات عبَّرت بلغتها ضمن استضافة لفكر الفنان وفنه من قبل صالة رؤى في .
معرض ابتدأ في 12 من الشهر الحالي ويستمرُّ حتى نهايته .

اعتمد الفنان "عبد الحي مسلم " تقنية جديدة يعتبر نفسه أول من يبادر باستخدامها تقوم على مواد مبتكرة تسهِّل من عملية النحت سواء في مجسمات خفيفة الوزن أم في جداريات معلَّقة تأخذ نفس السمة، تقوم التقنية بالمزج بين نشارة الخشب مع الغراء الأبيض وتشكيل خليط متماسك قابل للتشكيل بمفهوم الفن الخاص لمستخدمه.
قدَّم الفنان "مسلم" لوحاته ضمن الإطار العام للقضية الفلسطينية، حيث أبرز فيها عناصر فاعلة في سلسلة الأحداث التي شهدها الوضع الفلسطيني ومازال ضمن تكوين الأسرة الفلسطينية قبل عام 1948 والتي حافظت على أصوليات فيها حتى الآن، ولم تتغيَّر وفق مفهوم الفنان، رموزه جاءت من بندقية قديمة وجديلة امرأة غاضبة وزي تراثي بقي الفنان مصرَّاً على الاحتفاظ بخصوصيته تأكيداً على الحق الأكبر الذي لايقبل التنازل عنه، تلوَّنت جداريات المعرض بلونين أساسيين في التكوين الطبيعي للبيئة أحسن الفنان تسخيرهما لخدمة فكرة الحفاظ على الزي والإبقاء على المقاومة والتمسك بالحياة من خلال إقحام "الوردة الحمراء" بصمة أخرى ودليل الحياة على حدِّ تعبيره ضمن المجموع الفني المعروض، ثم أكَّد مفهوم الاستمرار من خلال استعراض سلسلة العرس الفلسطيني بتقاليده وتتالي أعرافه "فمازلنا نحب و نحب" تعبيره الذي اتَّخذه دليلا في تبرئة التدخل الطبيعي على مفهوم المقاومة في المعرض.

"بلدنا" التقت الفنان الفلسطيني عبد الحي مسلم وكانت لنا معه الوقفة التالية:
¶ من الواضح غلبة القضية الفلسطينية والشعب المقاوم لكن كيف تدخَّلت الأسرة الفلسطينية ومفهوم الحب على محور جدي قد اخترته؟
في كل معارضي أهدف إلى التنويع إضافة إلى المحور الأساسي، والتنويع سيشمل كل جوانب الحياة من الحب والكره والقتل والعرس وكل أفراد الأسرة .
¶ ركَّزت في لوحاتك على المرأة داخل أسرتها كأم وزوجة ما المقصود من تكثيف الضوء عليها ؟
ليست المرأة الفلسطينية أماً أو ابنة أو زوجة بل هي عنصر فعَّال أيضاً في المقاومة لذلك لابدَّ من إبراز جوانبها المتعدِّدة.
¶ أعطيت اللوحات جميعها لونين أساسيين.. فهل يتَّفق ذلك مع التنويع المنشود في المعرض؟
اتَّصلت ألواني بألوان الزي الفلسطيني الذي أراد الاحتلال محوه لكن أنا مصرٌّ على تثبيت هويته باللوحة وكذلك الأخضر والبني المستعملان هما من ألوان القرية الفلسطينية قبل 1948.

الفنان " عبد الحي مسلم " من مواليد قرية الدوايمة ، الخليل 1933 فلسطين .
أصبح فناناً بالفطرة ولم يتلقى الفن في معاهده، أقام أكثر من 35 معرضاً فردياً عربياً وعالمياً .
التزم يتقنيته الجديدة في التكوين وحقق بها نجاحات

..........................................................................................................................................

الفنان الفلطسيني عبد الحي مسلم

صاح الديك في صباح يوم جميل ، ليخرج الاولاد بلعبوا في ساحة القرية الجميلة ( الدوايمة ) .

وصاحت الحاجة خضرة ام خمس بنات وولد وحيد يا عبد الحي تعال العب مع خواتك .

ترانيم لها معنى في اذن عبد الحي مسلم ، ليرى قرية الدوايمة قضاء الخليل وفيها الطفولة وفيها العيش البسيط لأبناء هذه القرية الهادئة .

يتعلمون القراة عند الشيخ ( الكتاب ) على لوح خشبي . والحاجة خضرة تراقب طفلها الوحيد في هذه الدنيا , ولهذا يعيش عبد الحي كل تفاصيل الحياة من امور عائلية كبيرة وتوصيات الام لإبنها .ويعيش مع الشيوخ الكبار ليجلس معهم ويسمعهم لتوصية من الحاجة خضرة .

ان يظل قربهم حتى يعرف اسليب الكبار .وهذا عبد الحي يكبر بآماله مع ابناء القرية في أفراحها وأحزانها وترانيم الفرح وزغاريدها .

ونواح الموتى والبكاء عليهم. كقصيدة يحفظها في ذاكرته كالوشم الذي على يده . يسمع الحداية ( وهو القصيدة العفوية التي تصدر من اثنين في مواجهة شعرية ) ويترنح عبد الحي مع كل كلمة ونغمة . ويكبر وتكبر همومه لانه كبير العائلة كذكر مسؤول عن العائلة بهمومها واشغالها . وتدور الحروب في فلسطين وتبدأ النكبة عام 1948 وعبد الحي يرافق الطريق معهم من تهجيره للقرية التي تنوح على أهلها وغيابهم . وعلى الذين ذبحوا فيها من ابناء القرية . وعلى الذين ناضلو واستشهدوا . ليدور في طريق جديد في مخيمات للاجئين .

حياة جديدة في اريحا . مخيم جديد وأناس اكثر ولكن وجوه القرية ( الدوايمة ) موجودين .عبر الحزن المرسوم على وجوه الكبار والصغار وخطوط الطول والعرض على وجناتهم .

ويبدأ عبد الحي خطوات التهجير الى الاردن كما هو الحال لباقي الشعب ويسكن في مخيمات للاجئين . ويبدأ الحياة من جديد وذاكرته ما زالت في قرية الدوايمة . وحلمه البعيد الطويل ما زال يراوده في ذكرياته .


ونكمل معكم المشوار الطويل مع الفنان عبد الحي في حلقات .

ابو جهاد