موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008
موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008
موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008

أخبار .. بحث.. سياسة .. آدب .. ثقافة عامة .. حرية رأي .
 
الرئيسيةبوابة فلسطينالتسجيلأحدث الصوردخول
من حروف أسم الدوايمة يتكون وطني الدوايمة(د .. دم)(و..وطني)( أ .. أوثقه)(ي.. يأبى)(م .. مسح )(هـ .. هويته) (دم وطني أوثقه يأبى مسح هويته)...نضال هدب


أن نسي العالم مجزرة الدوايمة أو تناسىى فان طور الزاغ الكنعاني سيظل شاهداً أميناً على المجزرةالمتواجدون الآن ؟
المواضيع الأخيرة
» رحلة الإنسان من بداية خلقه وتكوينه وحتى دخوله الجنة أو النار .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالأحد يوليو 30, 2023 3:30 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» عيد ُ الحُــــب / فالنتــاين !! .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء فبراير 14, 2023 1:42 am من طرف الشيخ جميل لافي

» كيف تخشـــع في صلاتك ؟
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالإثنين يناير 16, 2023 3:37 am من طرف الشيخ جميل لافي

» ما هي كفارة تأخير قضاء رمضان بدون عذر ، وما مقدارها ونوعها ؟؟
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت نوفمبر 26, 2022 9:24 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» أحكام الجمع والقصر في السفر والحضر والمطر
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 12:25 am من طرف الشيخ جميل لافي

» عظم الكلمة عند الله عز وجل .....
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:31 am من طرف الشيخ جميل لافي

» الإمامة في الصلاة . مهم جـداً
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:28 am من طرف الشيخ جميل لافي

» إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ ومنهم من يُهاب لله ومنهم إذا رؤوا ذُكر الله
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:25 am من طرف الشيخ جميل لافي

» البيع المُحرّم في الإسلام . الجزء الأول
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:24 am من طرف الشيخ جميل لافي

» كفارة الغيبة والنميمة .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:23 am من طرف الشيخ جميل لافي

» حُكم الغناء والموسيقى والمعازف .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:22 am من طرف الشيخ جميل لافي

» رباه إنا طامعين بجنة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالخميس يناير 18, 2018 12:11 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» رباه إنا طامعين بجنة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالأحد يناير 14, 2018 12:36 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» مشروع وثيقــــة شـــرف عشائر الدوايمة”
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء ديسمبر 08, 2015 3:24 am من طرف نضال هديب

» ادخل احصاء ابناء الدوايمة في الشتات
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالإثنين نوفمبر 30, 2015 5:41 pm من طرف أدارة الدوايمة

» الدوايمة ليست قبيله ولا عشيرة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالإثنين نوفمبر 30, 2015 3:18 pm من طرف نضال هديب

» الدوايمة ..أنا لاجىء من فلسطين في الداخل والشتات اوقع لا تنازل عن حقي بالعودة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالإثنين نوفمبر 30, 2015 4:23 am من طرف نضال هديب

» لإحياء المجزرة التي تعرضت لها قريتهم «غزة» توقد ذاكرة أبناء الدوايمة وتدفعهم للتحرك قانونياً
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالإثنين نوفمبر 02, 2015 5:45 pm من طرف نضال هديب

» مجزرة الدوايمة وصرخة الدم النازف.بقلم .نضال هديب
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالخميس أكتوبر 29, 2015 10:54 am من طرف نضال هديب

» صباح الخير يا دوايمة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالخميس أكتوبر 29, 2015 1:24 am من طرف نضال هديب

» خربشات نضال . قال القدس لمين
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالخميس أكتوبر 29, 2015 1:22 am من طرف نضال هديب

» المستوطنون يستعدون لاكبر عملية اقتحام للأقصى
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالخميس سبتمبر 17, 2015 2:04 pm من طرف نضال هديب

» اخي ابن الدوايمة \ البوم صور لقاءات ومناسبات ابناءالدوايمة في الداخل والشتات
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالخميس سبتمبر 17, 2015 1:44 pm من طرف نضال هديب

» اجمل ترحيب بالاعضاء الجدد الذين انظمو لقافلة منتديات الدوايمة وهم السادة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالخميس أغسطس 20, 2015 1:04 pm من طرف ahmad-lafi

» ما هوَ ثمن الجـنـّة ؟؟ .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالخميس أغسطس 06, 2015 7:18 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» حرمة الإحتفال بعيد الأم المزعوم
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالأربعاء مارس 18, 2015 5:13 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» القناعة للشاعر عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالأربعاء ديسمبر 24, 2014 11:04 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» قرية الدوايمة المغتصبة لا بديل عنها ولو بالقدس
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء ديسمبر 23, 2014 3:08 pm من طرف أحمد الخضور

» عن حقي ابد ما احيد للشاعر عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالإثنين ديسمبر 22, 2014 1:16 pm من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» بابي لعبدي مشرع للشاعر عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء نوفمبر 25, 2014 8:25 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» الذكرى الـ97 لوعد بلفور المشؤوم
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالأحد نوفمبر 02, 2014 9:14 pm من طرف نضال هديب

»  نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي موشيه فيغلن اقتحم الحرم القدسي
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالأحد نوفمبر 02, 2014 9:09 pm من طرف نضال هديب

» يووم سقوط الدوايمة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء أكتوبر 28, 2014 9:37 pm من طرف نضال هديب

» حذاري ان تعبثوا بالوطن
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت أكتوبر 25, 2014 9:34 pm من طرف نضال هديب

» اعلان وفاة زوجة الحاج عبد الحميد ياسين هديب وحفيدة ابن رامي عبد الحميد
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالجمعة أكتوبر 24, 2014 9:32 pm من طرف نضال هديب

» جرح مجزرة الدوايمة يأبى الإلتئام بقلم نضال هديب
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت سبتمبر 27, 2014 11:04 pm من طرف نضال هديب

» الدوايمة / كتاب توراة الملك ........ دليل لقتل الفلسطينيين
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت سبتمبر 27, 2014 10:58 pm من طرف نضال هديب

» غداً السبت الموافق 27ايلول 2014 تحتفل بالعام السادس لتاسيس منتدى الدوايمة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالجمعة سبتمبر 26, 2014 3:27 pm من طرف نضال هديب

» أحاديث لا تصح في الأضحية وفي المسح على رأس اليتيم
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالجمعة سبتمبر 26, 2014 1:34 am من طرف الشيخ جميل لافي

» فضائل صوم ست من شوال
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالجمعة أغسطس 08, 2014 1:46 am من طرف الشيخ جميل لافي

» قرر الرئيس محمود عباس تشكيل الوفد الفلسطيني الى القاهرة كما يلي :-
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت أغسطس 02, 2014 12:27 am من طرف نضال هديب

» بان كي مون يطالب بـ "الافراج فورا" عن الجندي الاسرائيلي الاسير
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت أغسطس 02, 2014 12:17 am من طرف نضال هديب

» لقناة البريطانية العاشرة الجندي الاسراييلي الاسير بريطاني الجنسية
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت أغسطس 02, 2014 12:12 am من طرف نضال هديب

» الاسير هدار غولدين ابن عم وزير الدفاع الاسرائيلي
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالجمعة أغسطس 01, 2014 10:08 pm من طرف نضال هديب

» اسر الجندي الصهيوني الملازم الثاني هدار غولدين
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالجمعة أغسطس 01, 2014 10:07 pm من طرف نضال هديب

» في ذكرى رحيل أمي
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالجمعة أغسطس 01, 2014 6:20 pm من طرف نضال هديب

» ينعى موقع منتدى الدوايمة الاكتروني بشديد الحزن والاسى الجامعه العربية
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء يوليو 29, 2014 2:34 am من طرف نضال هديب

» تضامنا مع غزة شبكة منتديات الدوايمة تدعوا اقتصار مظاهر العيد على الشعائر الدينية
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت يوليو 26, 2014 7:45 pm من طرف نضال هديب

» توفيت الصحفية عزة سامي، نائب رئيس صحيفة الأهرام التي قالت «كتر خيرك يا نتنياهو ربنا يكتر
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالسبت يوليو 26, 2014 1:43 am من طرف نضال هديب

» أغنية الجندي المخطوف (شاؤول ارون)عملوها الفدائية
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالخميس يوليو 24, 2014 9:14 pm من طرف نضال هديب


 

 الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو جهاد
نائب المدير مسؤول التوثيق الشفوي والأعلامي
نائب المدير مسؤول التوثيق الشفوي والأعلامي




الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Empty
مُساهمةموضوع: الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة   الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة Emptyالأربعاء يناير 19, 2011 8:41 pm

الجزء الثانى من رواية
الشتات

تأليف
رأفت حمدونة
سجن بئر السبع

- الحمد لله على السلامة يا بني وبارك الله فيك على أخلاقك ومبادرتك فمن أنت حتى نبلغ عائلتك؟؟
- اسمي رفيق نصر العسقلاني- لاجئ من المجدل وأسكن مع أمي الوحيدة والمريضة بجانب سوق المدينة، ولا يهمني ما أنا فيه بل ما سيصيب أمي حينما تراني.
- لا تقلق يا بني فأنا أبو يوسف أعمل تاجر جملة في مواد التموين وسأذهب للطبيب حتى يسمح لنا بإعادتك لبيتك.
أحضر أبو يوسف تصريح خروج لرفيق بعد أن تعالج وأخذ الأدوية وأعاده للبيت.
كانت الحاجة تنتظر عودة رفيق بفارغ الصبر، فلقد تأخر كثيراً عن موعده فبرد الطعام الذي أعدته له وجلست على درجات البيت ترتقب خياله من بعيد وتقرأ القرآن وتتعوذ من كل شر وسوء.
وصلت السيارة إلى باب البيت الصغير والقديم واتكأ رفيق على كتف أبي يوسف الضعيف والمثقل بالمرض والتعب والقلق ونزل من السيارة فرأته الحاجة محبوبة التي هرولت باتجاهه تملأها المفاجأة والرهبة والهلع.
- حمداً لله على سلامتك يا بني ما الذي حصل لك؟؟
- طمئنها أبو يوسف : لا تخافي يا حاجة سليمة والحمد لله.
- استدركت الحاجة محبوبة نفسها أمام الضيف وتمالكت نفسها وساعدت ابنها المكسور ووضعته على سريره.
عرف رفيق أمه الحاجة على الضيف وشرح لها ما حدث وما قام به أبو يوسف في علاجه ومتابعته فشكرته الحاجة وقبل أن يتركهم أخرج أبو يوسف مبلغاً من المال مقابل الدراجة والبضاعة التي تناثرت وما يكفي للبيت حاجته في مرض رفيق.
نظر رفيق إلى الحاجة التي ابتسمت وقالت لأبى يوسف :
- بارك الله فيك ونشكرك على صنيعك ولكن ما حصل هو قضاء وقدر والحمد لله على كل حال.
- ولكني يا حاجة فهمت ظروفكم من رفيق فأنا أقدم واجبي فغير رفيق قد يطمع بي وينتقم مني وأنا والحمد لله ميسور الحال.
- قالت الحاجة : الله يوسع عليك رزقك ويبارك لك فيه فنحن أيضاً في حال مستور.
استأذن أبو يوسف من أصحاب البيت الذي رأى فيهم أصالة السلوك وحسن أخلاق التعامل وكل القيم الطيبة والحسنة.
ارتاح رفيق من رد أمه التي زرعت فيه هذه المبادئ منذ الصغر فتربى على الكرم والتضحية والمسامحة.
علمت منال بحادث رفيق فأسرعت بصحبة والدها إلى بيت الحاجة لتطمئن على خطيبها.
كانت منال تأتي لبيت الحاجة كل يوم بعد عملها فتقضي له كل حاجاته وتساعده في طلباته وتخفف عنه آلامه وأحزانه وتملأ ساحة البيت بالبهجة والبسمة والحياة ولم يشعر رفيق بالفراغ والملل طوال وجود منال بجانبه.
كانت تعلم كل ظروف رفيق وحاجته للمال في تعليم أخيه ودواء أمه وحاجة البيت وكانت تعلم عزة نفس رفيق وكبرياءه وبلعثمة بغياب الحاجة محبوبة أخرجت له مبلغاً من المال ادخرته لنفسها وسألته :
- كم مرة وقفت معي وأبى يا رفيق؟؟
- لم أفهم عليك يا منال ماذا تقصدين؟؟
- بصراحة أنا أكثر الناس معرفة بأحوالكم وقعودك في البيت سيؤثر على أخيك وأمك وخيرك سابق على وعلى والدي فأنا وأنت واحد يا أقرب الناس إلى قلبي أن تقبل مني هذا المبلغ لتفك ضيقتك وبابتسامة رقيقة وبريئة قالت له :
هذا المبلغ دين عليك يا رفيق حتى تتحسن ظروفك.
- كبرت منال في عيني رفيق وتيقن من حسن اختياره وسعة نصيبه ونعمة الله عليه وقال لها :
- أقبلها إذا قبلت معه هدية بمقداره.
وقبل أن تجيب طرق باب البيت فأسرعت منال لتفتحه وإذا بأبي يوسف يحمل بعض الهدايا بصحبة زوجته.
كان الحادث باب خير على رفيق رغم كرهه له وأدرك فيما بعد قوله تعالى " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " ( البقرة 216 ).
فنشأت علاقة اجتماعية بين العائلتين وتعرفت الحاجة محبوبة على زوجة أبى يوسف وعلمت أن زوجها ميسور الحال وغني وله ثلاث بنات ولم يرزق بولد ويقال له أبو يوسف على اسم والده وأنه مريض بالقلب ولا يقوى على مزاولة عمله.
قويت العلاقة بين رفيق وأبى يوسف وعرف الطرفان عن بعضهما كل شئ.
- قال أبو يوسف : أنا بحاجة لشاب نشيط وطموح وأمين وثقة ورجل مثلك في عملي يا رفيق ، فلقد رزقني الله الكثير من المال ولم يرزقني بالولد الذي يساعدني ويساندني في عملي ويشهد الله أني أراك مثل ولدي وأطلب منك أن تعمل معي في مخازني وسأعطيك ما يرضيك وفي المستقبل سوف اجعل لك نسبة من العمل وليس عاملاً فحسب فما رأيك؟؟
- أجابه رفيق : سأعطيك ردي بعد مشورة أمي الحاجة يا أبا يوسف .
ركب أبو يوسف وزوجته في سيارته الفاخرة وودعت منال الحاجة وخطيبها وجلس رفيق مع أمه ووضعها في صورة طلب أبي يوسف وطلب منها رأيها.
- قالت الحاجة : نعم أنت بحاجة لعمل يا بني ولو أني أعلم أن طلبه منك هو صدقة أو مساعدة وتعاطفاً معنا وليس حاجة له كما فهمت من زوجته لما رضيت بهذا العمل فتوكل على الله يا رفيق وفرحه بموافقتك.
شفي رفيق من إصابته وتعافى من كسره وكانت أولى الخطوات له بعد وقوفه باتجاه الحرم في الأقصى الشريف فصلى وحمد الله وشكره ثم ذهب إلى أبي يوسف ليبدأ معه العمل.
عانق أبو يوسف بالمزيد من الترحاب عزيزه رفيق الذي قصد تعلم العمل وقواعده، فكلاهما كان يحتاج للآخر في العمل ومساندة الحياة.
مرت أشهر قليلة ترسخت فيها الثقة والمحبة والتقدير بين الاثنين وارتقت علاقة العمل لحد الشراكة، فلقد تشرب رفيق كل تقاصيل التجارة، وتعرف على التجار واستقى خبرة أبي يوسف برضاه ومبادرته.
فتحت الدنيا ذراعيها لرفيق الذي لم يساق لملذاتها، فعلمته الحاجة محبوبة أن أيامه المقبلة أصعب عليه، فشكر النعمة أقسى من صبر البلاء وكانت تذكره دوماً بالعلاقة مع الله عز وجل وأن عليه استثمار أمانة الله في المال في أعمال الخير والبر وأن لا يبخل على المحتاج.
شكر رفيق الحاجة على نصائحها، فشعر بحاجة من حوله وتذكر حاجاته السابقة دون مغيث وتألق بسلوكه كالطير الجميل كبير الجناحين، فظهرت عليه أخلاق الكرم ومساعدة الآخرين وتحقيق مطالبهم وأحلامهم.
أخذ رفيق أمه على أفضل الأطباء وأحضر لها أحسن الأدوية فتحسنت صحتها وذهب لمكتب السفر فحجز تذكرتين للحج أحدهما لأمه والأخرى أخذها مع مبلغ من المال ليسد به ديْن منال التي لم تنساه في محنته.
وأخذ لها بعض الهدايا.
طرق رفيق باب بيت عمه الشيخ حسن ففتحت له منال الباب:
- مَنْ على الباب يا منال؟
- رفيق يا أبي.
- أهلاً وسهلاً بأعز الناس، تفضل يا بني.
أعطى رفيق خطيبته الهدايا التي أحضرها لها وشكرته على مبادرته وزيارته وبعد وقت من تبادل إطراف الحديث قد يده في جيبه وأعطى المال لمنال وشكرها رفضت منال أن تأخذ أي شئ زيادة عما أعطته- فذكرها بالاتفاق وقال لها ألم نتفق على إعادة المال وقت ميسرة مع هدية فهذه هديتي لك أما هدية عمي الشيخ حسن فتذكرة سفر للقيام بفريضة الحج.
أراد الشيخ أن يجادل رفيق ولكن دون جدوى معه، فرفيق أعلمه أن هذا شكر لله على نعمته وليس كرماً وصدقة.
رضيت منال والشيخ حسن وفرحا بصنيع رفيق الذي كان كريماً منذ اليوم الأول في التعرف عليهما.
كانت عيون رفيق تحمل حديثاً لخطيبته التي فهمته وسألته:
- أرى في عينيك حديثاً يا رفيق؟
- نعم يا منال- فأنا الآن أرى من غير المعقول أن تواصلي عملك، وإن كان ولابد فلماذا لم تعملي معي فأنا محتاج لمساعدتك في استقبال الهواتف وتدوين الملاحظات.
اقتنع الشيخ حسن بفكرة رفيق ونزلت منال عند رغبته.
ودَّع رفيق الشيخ وخطيبته ثم أخذ مبلغاً كبيراً من المال وأودعه في البنك على حساب أخيه محمد في الأردن واتصل به.
- كيف حالك يا محمد وكيف دراستك؟
- الحمد لله يا رفيق دراستي ممتازة فكيف أمي؟
- لا تقلق يا أخي فهي بخير وتدعو لك، بعثت لك مبلغاً من المال فلا تبخل على نفسك بعد اليوم، فمع أخيك بحمد الله ما يكفي لتعليم عشرة أطباء مثلك فتعلم وعش أجمل حياتك.
- الله يزيدك يا رفيق وشكرا جزيلا لك، وأسال الله أن يقدرني على رد فضلك وجميلك.
- هذا فضل الله يا محمد، فخذ بالك من نفسك ودراستك.
وعلى غير عادة دعا محمد زميلته انتصار التي تشاركه العمل الطلابي في الجامعة لشرب كأساً من العصير فسألته:
- أراك سعيداً يا محمد هذا اليوم؟
- نعم ليس إلا لتعويض الله لأخي رفيق على تضحياته.
- وهل لك أخاً اسمه رفيق؟
- نعم فهو الذي ضحى بعمره وسعادته وتعليمه وراحته من أجلي وأجل أمي، تصوري يا انتصار أنني أتحدث بالهاتف مع أصدقائي وأسال دون أن يعلم عليه فافخر بوصفهم وكثرة حب القرية صغيرها وكبيرها له.
رفيق يا انتصار حبيب الجميع حتى العجائز والأطفال ورجال القرية وشبابها.
رفيق شعر بالحرمان وعاش يتيماً وقست عليه الأيام وبكى ليله دون أن يبوح بضعفه إلا لله، كنت أراه يبكي حينما مرضت أمي ويقول لي:
أنا مستعد أن أبيع دمِّي وأعمل في أي شئ حتى ولو كان قاسياً لأوفر لها الدواء، وحينما تضيق عليه الدنيا يفر إلى الله فيهرب للمسجد والصلاة والقرأّن كلما يئس وأحبط، واليوم فتح الله عليه أبواب الرزق فبنى بيتاً واشترى سيارة وعالج أمه وعلمني وهاهو اليوم يتحدث معي ويطلب أن لا أبخل على نفسي.
قبل أيام أخبرتني أمي أن ماله ليس له وكلما صرف ديناراً أعطاه الله بدله عشراً فلم يتوانى في علاج امرأة طاعنة في السن ليس لها مصدر رزق وكان يزورها باستمرار فتدعو له وتُقَبِّل رأسه وتضمه لصدرها كأنها أمه.
رفيق مسح دمعة الكثير من الأطفال اليتامى بهداياه ورحلاته لهم فأحبوه كأبيهم فلم يجعل في نفس أحدهم شئ إلا حققه له.
رفيق ساعد معوز لم يستطع توفير مهر لمحبوبته وكادت الأيام تحول بينهما وتَبَنَّى تكاليف الخطبة والمأذون والغذاء ولم يطالب الشاب بشيء حتى تتحسن ظروفه.
رفيق يا انتصار لم يكن كريماً بماله فقط بل أيضاً بمبادراته وسلوكه وحسن تصرفه وحكمته فكثيراً ما تَدَخَل في القرية بين متخاصمين وحل المشكلة بينهما لاحترام كبار القرية له.
وكثيراُ ما صالح أب مع ابنه الذي عصاه، وزوجات مع أزواجهم، رفيق تجديه أول الحاضرين في الفرح فيضع من جيبه ما يفرح أهله ويجعل ما يقدمه هدية لهم، فيحضر الذبائح ويزين الشوارع بنفسه وسيارات الفرح ويستقبل المهنئين ويجعل من كل فرح كأنه له.
رفيق يكون أول المعزين في الترح فيخرج للمقبرة ويحضر بيديه مثوى أعزاء القرية بمشاركة أهله فكل عزاء في القرية عزاء له ويحضر الكراسي والقراء ويواسي الثكلى.
رفيق يعود الجرحى في المستشفيات وأبناء الشهداء في المناسبات وغير المناسبات ويسأل عن أهالي الأسرى واحتياجاتهم.
رفيق يساعد كل شاب مكافح في أول طريقه حتى ينجح فيمده بالخبرة والمال حتى يفرج الله كربه.
رفيق ابن الكل في القرية ويا ليتك يوماً تقابليه وتتعرفي عليه وعلى شهامته ورجولته ومواقفه.
تمنت انتصار أن تتعرف على أخ محمد زميلها لولا بعد المسافة والشُقَّة.
وتمنت كل نساء القرية ورجالها لو أنهم تبنوا رفيق في صغره حينما رفضوا عرض المختار وطلبه في تبنيه.
وحسدت كل نساء القرية الحاجة محبوبة على رفيق وأخلاقه وأحب الجميع حسن تصرفه وأفعاله .
حضرت منال لمكتب رفيق المجاور للمخازن لتساعده وكان الحب بينهما يكبر مع كل قطرة عرق من جبينه فتؤكد لها الأمان والحماية أمام هذه الإرادة والإخلاص والجدية.
كان شباب القرية يعرفون رفيق ويثقون به، وحينما كانوا بحاجة لمن يدعمهم بالمال لتوفير السلاح وتامين المطاردين في أوج الانتفاضة المباركة.
دم الشهيدين كان يتدفق في عروق رفيق الذي تمنى مثل هذا الطلب انتقاماً من قتلة والديه وعمه وكل الشهداء، كانت تلك فرصة رفيق ليثبت ولاءه وعشقه لتراب الوطن والقدس وعسقلان وكل فلسطين فاقتطع من رزقه قسطاً دائماً لدعم المقاومة، وبعد أشهر منها استشهد أحد أفراد المجموعة واعتقل عدد منها وتطارد الباقون.
شعر رفيق بالخطر حينما سجن المجاهد الذي يتصل به، فنام خارج البيت عند أحد أصدقاءه وبعد أيام حضرت قوات كبيرة من الجيش وداهمت بيت الحاجة محبوبة وبيت خطيبته والمكتب والمخازن الذي يعمل بهم فلم يعثروا عليه.
تيقن رفيق أنه مطلوباً للاحتلال فبدأت رحلة الألم معه من جديد وتنقل مطارداً من بيت إلى بيت ومن مكان إلى آخر.
قابل رفيق خطيبته التي باتت على علم بحاله وبدأ يقنعها أن تتطلع لمستقبلها بدلاً من مصيرها مع إنسان مطارد ينتظره الموت أو السجن.
بكت منال من كلمات رفيق وعاتبته:
- أنا لم أعرف ولن أتعرف ولن أكون لشخص غيرك، فأنت بطل الأبطال يا رفيق لا يُتْرَكون، فمن ضحى بنفسه وخطر بحياته، وأخلص لوطنه وشعبه سيكون حتماً أكثر تضحية من أجل زوجته وأبناءه وأكثر إخلاص لها وصدقاً معها.
إياك يا رفيق أن تردد هذه الكلمات ثانية فنحن معاً حتى ما بعد الموت ولن نفترق بإذن الله.
انتهى محمد من دراسته وودع انتصار التي أحبها وأحبته لولا ظروفهما والغربة فاستقبلت القرية ابنها الطبيب ابن الحاجة محبوبة فساند أمه المريضة كما كان يطمح قبل تعليمه وتقابل مع أخيه رفيق مرات في السر فقلق عليه وعلى مستقبله.
أصرت الحاجة محبوبة على مقابلة ابنها الذي اشتاقت له، فتعرف محمد على أصدقاء رفيق ليرشدوهم إليه، كان رفيق أكثر شوقاً لأنه وأخيه وخطيبته ، ولكنه كان يخشى عليهم من المحتلين الصهاينة الذين قد يعذبوهم أو ينتقموا منهم.
حاول رفيق قدر المستطاع أن لا يقابل أحداً حتى لا يعرض للخطر، وابتعد عن أمه أيام حتى يبعد أعين الخونة عنه، ولم يستجب لطلب أبناء القرية لاستضافته حباً فيه ووفاءاً له ولحمايته حتى لا يتعرض أحدهم لأذى الاحتلال الذي لا يرحم فيهدم البيوت ويقصف الأبرياء ويقتل المارة ويعتقل بسبب وبدون سبب.
كان البرد قارص والليل مظلم ورفيق يقضي ليله تحت مظلة بقالة مستورة عن الشارع أو داخل سيارة أو بيت مهجور أو مغارة في أحد الجبال.
لم يتعامل رفيق مع ماله كأنه لذة الحياة ومتاعها، ولم يتثاقل إلى الأرض ويبيع دينه ووطنه بدنياه بل تربى على التواضع وأوقفته الحاجة محبوبة عند أدنى شعور للميل عن الإنفاق الجميل والأجر العظيم لذا كانت مطاردته على قسوتها جزءاً من بحر الآلام الذي سيتبعه بسمة وأنها رحلة من مسيرة الحياة الفانية.
كان يرى حب الناس رصيده في الدنيا، وأجر إنفاق ماله في الطاعة رصيده في الآخرة ورضا والدته الحاجة هو نعمة الدنيا والآخرة.
كان رفيق يثق في الناس ولكنه لم يأمن خيانة القلة الساقطة التي باعت وطنها وشعبها ودينها بثمن بخس دراهم معدودة، فتتجسست على أبناء شعبها لصالح ممثل قذر لا يعرف أدنى الإنسانية- هذه القلة العميلة تحالفت مع الشيطان فشاركت في قتل المناضلين والشرفاء وأفسدت في الأرض فأسقطت ذوي الحاجة من عمل أو سفر أو مال أو علاج أو تعليم في شرك العمالة مستغلة حاجاتهم.
تنقل رفيق بسيارة صديق له من مكان إلى آخر للضرورة وما هي إلا لحظات حتى سمع زخات من الرصاص واشتباكات ومظاهرات وإذا بأبناء القرية يتصدون للجيش الذي حضر لمحاصرة المنطقة التي عرف فيها بينها الأهالي بوجود رفيق.
خرج المتظاهرون من أبناء القرية بصدورهم العارية وإرادتهم وعزيمتهم وحبهم وصدقهم واخلاصهم لحماية رفيق الذي لم يقصر يوماً في حمايتهم ومساعدتهم.
حمدت الحاجة محبوبة الله على سلامة ابنها ولم تصبر على عدم رؤية رفيق والاطمئنان عليه بعد محاولة اعتقاله فطلبت من أصدقاء رفيق أن يقابلها، فوافق لأنه اشتاق لها وأخبار أخيه الذي عاد من السفر وخطيبته.
كانت أعين الاحتلال تراقب ليل نهار بيت الحاجة التي قد تفكر في مقابلة ابنها وكانت تلك فرصتها، فأخذت الحاجة معها بعض المأكولات والملابس والغطاء فقابلته في مكان مهجور.
تفاجأت الحاجة من حال ابنها الذي ينام على الأرض ويلتحف السماء ويأكل القليل من الطعام فتغير وجهه ومال للاصفرار من التعب والسهر والجوع.
عانق رفيق أمه التي لم تتركه إلا صابراً راضياً محتسباً أمره إلى الله وأوصته بدوام الصلاة والقيام والدعاء لله عز وجل وقراءة المعوذات من الشرور.
وصلت إخبارية لمخابرات الاحتلال بعد متابعة أمه التي قد تكون ذهبت لمقابله وحين عودتها علم رفيق بإمكانية محاصرته فترك المكان.
نظر لمرآة السيارة التي كان يقودها بمفرده وإذا بسيارة مشبوهة تتعقبه فشك بها وأسرع فأسرعت نحوه وما هي إلا لحظات حتى أطلقوا النار عليه وحينما شعر رفيق بالخطر ترك السيارة وهرب منها فأصابوه إصابة بالغة.
أسرع أحد المارة نحوه لإنقاذه فوصلت السيارة واختطفوا رفيق، مر يوم لم يقابل فيها أصدقاءه فلم يتبادر لذهنهم اعتقاله وبعد يومين افتقدوه إلا انهم لم يعرفوا من أمره شيئاً فتوجهوا لأمه فأكدت أنها قابلته وعادت ولم يخبرها بشيء.
واصلت العائلة السؤال عنه دون جدوى فزاد قلقهم عليه، واصل الأصدقاء السؤال عنه ومر على افتقاده أسبوعان لم ينم محمد ليله حائراً يفكر بمصير أخيه وأعز مخلوق على قلبه فلم يدع مستشفى أو صديق إلا ذهب ليسأل عنه.
بلغت الحاجة محبوبة الصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان فدعتها إحدى المنظمات الإنسانية بعدما حضر الرجل الذي رأى رفيق وقت اعتقاله ولكنه لم يتعرف على اسمه فاجتمع الطرفان لسماع الشهادة ومواصفات رفيق الذي تركته أمه قبل لحظات من مطاردته قال الرجل أن الشاب الذي رأيته في العشرينات من العمر يرتدي بنطلوناً أسوداً ومعطفاً أسوداً ولفحة بيضاء يضعها على رقبته، قاطعته الحاجة محبوبة وصرخت:
- نعم هو رفيق ابني فماذا حصل معه بعد ذلك؟
- كانت تطارده سيارة من نوع بيجو بيضاء فأطلقت عليه النار، وعلى المفترق ترك سيارته فأصابوه في رجله، أسرعت نحوه لإنقاذه فسبقوني إليه وحملوه معهم.
- قالت الحاجة : هل هم من الجيش؟؟ وهل نزف دماً؟؟
- لا تقلقي يا حاجة محبوبة على رفيق التي تيقنت من اعتقاله ولكنها بقيت قلقة على صحته وإصابته.
سند محمد أمه وأعادها للبيت وأخذ يطمئنها على شقيق قلبها، أنا طبيب يا أم محمد والإصابة في الرجل غير خطيرة وهذا قدر الله وأنت مؤمنة وصابرة فتوكلي على الله وربنا يكن في عونه في اعتقاله ومحنته.
- ونعم بالله يا محمد- الله يرضى عليه ويشفيه ويحميه ( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) (يس9)
( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم).
هدأت الحاجة محبوبة وتوضأت وصلت لله ودعت له، وذهب محمد للصليب الأحمر وبلغهم بإفادة الرجل الذي رأى أخاه وطلب منهم متابعة أمره وبعد يومين أكد الصليب لمحمد اعتقال رفيق دون أن يطمئنهم على صحته.
لم تنم منال ليلها وهي تفكر في حال خطيبها وحبيبها ولم تملك في هذه اللحظات سوى تلقي الأخبار من محمد الذي لم يكل ولم يمل في السؤال عنه فذرفت الدموع خوفاً عليه ودعت الله له بالصبر والسلامة.
حضر كل أهل القرية لبيت الحاجة يواسونها في مصابها الذي يعتبر مصاب كل القرية فبدت عليهم مشاعر الإخلاص والحزن مع من صدقهم ولم يتوانوا في عرض المساعدة لتوقيف محامي لرفيق ولكن الحاجة سبقتهم.
استغل المحققون جرح رفيق فاستخدموه في التحقيق، كانوا يضغطون على الجرح ويلمسونه بأداة حادة ليعترف ولكن رفيق كان صامداً متحدياً وصبوراً فلم يزد على اعتراف الآخرين عليه بتقديم مساعدات مالية لشراء السلاح.
- قال المحقق: أنت قائد تنظيم إرهابي يا رفيق ولك علاقاتك مع جهات خارج البلاد أليس كذلك؟
- أجاب رفيق : الإرهاب هو أن تستغل جرحي وأعصابي وتعذبني دون دليل ولم أكن يوماً على علاقة مع أحد....
قاطعه المحقق: أنت تكذب يا رفيق وان لم تعترف سوف نعتقل أمك وأخاك وخطيبتك وسنهدم الليلة بيتكن، هيا قل ما عندك؟؟
- لا تهددني بشيء (فالله خير حافظا وهو ارحم الرحمين) (يوسف64)
(فاقض ما أنت قاض ) (طه72) ، فليس عندي أي شئ.
لم تمر الساعات سهلة على رفيق ورغم أنه تجاهل تهديد المحقق في مسلخ التحقيق بسجن أهله وهدم بيته إلا أنه كان يتألم من حديثه أكثر من التعذيب، فأهون عليه أن يتقطع إرباً على أن لا يمس أمه وخطيبته مكروه، والاحتلال لا يعرف الرحمة أو الشفقة فكان يتوقع منهم كل سوء.
مر سبعون يوماً على رفيق والتهب الجرح من الإهمال الطبي والضغط النفسي، وشعر بالتعب الجسدي من قلة النوم والجلوس على كرسي صغير مقيد الأيدي من الخلف وصب الماء البارد والساخن على رأسه وجسده ونقله للحجز الانفرادي ومواصلة تهديده وضربه وهز رأسه فشعر بألم شديد في رقبته وباقى جسمه .
دخل المحقق عليه وبلغه بانتهاء التحقيق وطلب منه أن يجهز نفسه للانتقال للسجن ، وفي هذه اللحظات سمع صراخ وشتائم وادخلوا لزنزانته أربعة رجال.
- أهلاً وسهلاً من تكون؟؟
- رفيق نصر العسقلاني.
- نحن نحيي صمودك فأنت الآن ستنتقل إلى قسم استقبال كمحطة لدخول السجن وبلِّغ سلامنا للموجه العام هناك وقل لهم أن الشباب الذين نزلوا للزنازين بخير وأنك أتيت من طرفنا ولكي تعجل لانتقالك للسجن فصارحه بقضيتك لاستكمال المعطيات التي يعرفونها من المرجعية في الخارج ونحن ننصح بذلك لمساعدة الفدائيين المطلوبين في الخارج حتى لا يصابهم أذى من اعتقالك وإن شاء الله يكون حكمك خفيف وكفارة يا رفيق.
عانق رفيق الشباب الأربعة ولم يعلق على حديثهم حتى يرى ما ينتظره.
فتح شرطي الزنزانة لرفيق وقيد يديه ونقله لقسم عادي وأدخله لغرفة كبيرة يقطنها تسعة رجال، فاستقبلوه بالترحاب وطلبوا له ممرض السجن الذي غَيَّر له ضماد جرحه واهتم مَنْ في الغرفة به، فأحضروا له الملابس وبعض الحاجيات الضرورية اليومية كالصابون وفرشاة الأسنان والمعجون والمشط والمناشف وداوموا على تقديم الحليب والعسل له.
كانوا يجلسون معاً ويتعلمون القرآن ويخرجون لصلاة الجمعة ويطالعون الكتب الإسلامية والوطنية وتجمعهم القوانين الاعتقالية فيهتمون بالبرامج الثقافية ولهم أوقات نوم ونهوض ويخرجون للنزهة ويعقدون الجلسات والتحاليل السياسية.
شعر رفيق بالراحة بينهم وخجل من كثرة اهتمامهم به، وفي ذات ليلة طلبه كبيرهم أبو عنان.
- أهلاً وسهلاً بك يا رفيق، أنا الموجه العام وأحيِّي صمودك وتحديك فنحن بحاجة لأمثالك لأنك بطل.
يا رفيق وصلنا رسالة من التنظيم وعليها توقيع رسمي يطالبوننا فيها بتاريخك النضالي واثبات نقاءك الأمني وتقاصيل قضيتك وعلاقاتك والذين تم السؤال عنهم أو من تشعر بالخطر عليهم من أصدقائك حتى يتم تحذيرهم وأن تشرح كل نشاطك لرفع ذلك للتنظيم قبل أن تنتقل للسجن الدائم هناك.
استغرب رفيق من حديث أبي عنان وقال له :
-أي صمود الذي تتحدث عنه ومن قال لك أني صمدت؟؟ على كل الشباب الأربعة الذين نزلوا للزنازين يبعثون لكم السلام.
- قال أبو عنان: سيماهم في وجوههم يا رفيق ولكي تتأكد من حديثي فها هي الرسالة الرسمية وختم التنظيم عليها يطلبون من الحديث معك.
تذكر رفيق وصايا أمه التي تعلمتها من زوجها إبراهيم قبل استشهاده على أن لا يبوح بسره لمخلوق وقال له :
- يا أبا عنان بلِّغ التنظيم شفهي أن كل قضيتي ما اعترف علىَّ الشباب به عندهم في سجن وإذا أرادوا المزيد فهم عندهم.
- قال أبو عنان: ولكنك بهذه الطريقة تضر بالتنظيم وبالشباب في الخارج وهذا يضع علامات استفهام عليك، فكيف يمكن أن نتيقن من صدق انتماءك دون التعرف على تاريخك- يا رفيق سأتركك الآن تفكر في الأمر حتى غد وتصبح على خير.
فكر رفيق طوال ليله بحديث أبي عنان وتساءل: من هذا أبو عنان، وكيف أعطيه سري وأّمن له، وهل فعلا هذا اسمه؟ ثم لماذا يسألني عن أمور حساسة ودقيقة وما القصد من ذلك وأين الشباب الذين اعتقلوا قبلي ، لماذا ليسوا هنا، وما هذا السجن الذي يتكون من غرفتين؟؟
لم يجد رفيق أي إجابة لأسالته ولكنه لم يشأ الظن السئ في أناس احترموه وقدروه وساعدوه وانتظر لليوم الثاني.
وفي الصباح تحامل على نفسه وخرج للنزهة ليرى الشمس ويستنشق بعض الهواء وتحريك رجله المصابة والضعيفة قياساً بالأخرى وفي نهاية اليوم جلس بجانب أبي عنان وسأله:
- ما هو موقع هذا القسم من السجن؟
- فأجاب: هذا فقط قسم استقبال للمعتقلين الجدد الذين يخرجون من الزنازين، لذا آمل أن تكون فكرت في حديث الأمس حتى تنتقل للأقسام فوق.
لم يقتنع رفيق بحديث أبي عنان الذي أضاف علامات استفهام جديدة وقال له:
- نعم فكرت ولكن في حقيقة الأمر ليس عندي ما أقوله سوى ما تعرف.
استشاط أبو عنان غضباً ونادى على من في الغرفة وقال لهم:
- رفيق عميل يا شباب ويجب أن نحقق معه، فهو يرفض إثبات نقاءه الأمني وعلينا أن نعرف ما وراءه.
استجاب من في الغرفة لنداء أبي عنان وأسرعوا نحو رفيق الذي تأكد بأن حضوره لهذا المكان ما هو إلا جزء من التحقيق وأن الغرفة ومن فيها يعملون مع المخابرات عصافير وقبل أن يصلوه تناول كرسي وشج به رأس أبي عنان فنزف دمه وتعالت الصيحات وشعر السجان بالخطر على أبي عنان فأعلن زامرات الإنذار التي تعلو في سجن عند كل خطر فحضرت للغرفة فرقة خاصة مجهزة بالخوذ والهراوات ومدافع الغاز فأخرجت أبا عنان للعيادة ورفيق من الغرفة إلى التحقيق ثانية.
عاد رفيق للشبح والتعذيب والضرب وهز الرأس من جديد وقال له الضابط:
- إذن تغلبت على تلك الحثالة من أبناء شعبك. فاجاب رفيق:
- إنهم كما وصفتهم ولكنهم ليسوا من أبناء شعبي ( فمن يتولهم منكم فانه منهم ) المائدة 51
- قال المحقق: إنهم ليسوا منا فمن خان شعبه وليس فيه خيراً لهم لن يكون فيه خيراً لغيرهم وكما خانوكم فسيخوننا يوماً ما، فنحن فقط نعصرهم كالليمونة ثم نرميهم لأنهم لا يساوون شئ.
مرت الأيام صعبة على رفيق لأنه قلق على أمه وخطيبته وأخيه وحينما أدرك ضابط المخابرات أن لا فائدة منه أخرجوه لسجن عسقلان المركزي وهناك تعرف على عشرات الأبطال من أبناء شعبه وقابل إخوانه الذين اعتقلوا قبله فتحدث لهم عن تجربة التحقيق والعصافير وأخبار الناس خارج السجن.
دخل رفيق الغرفة فشعر بالأمان واستقبلوه الشباب بالترحاب والحب والإعجاب بصموده.
كانت الغرفة ضيقة ولها رائحة كريهة ففيها عشرة أسرة كل منها بطابقين وحمام مع مرحاض وشباك صغير مغطى بالحديد يمنع الهواء ومحاط بالأسلاك الشائكة، والغرفة كل شئ في حياة العشرين أسير الذين يعيشون فيها، فهي المطبخ والحمام والمسجد والمدرسة والجامعة وغرفة الرياضة والنوم والضيافة ويعيشون جماعة في كل صغيرة وكبيرة فوجد القديم والجديد والكبير والصغير والمثقف والأمي وابن المدينة والقروي والفلسطيني والعربي من غزة والضفة وفلسطين المحتلة، المتدين والعلماني وكل أسير منهم له قصة وبطولة ومأساة ومواقف ألم وهَمْ وحزن وأمل وطموح وبسمة.
في الغرفة تلفاز واحد يتقاسمه العشرون فمنهم من يحب الرياضة والثاني الأخبار وثالث البرامج السياسية ورابع الأفلام والمسلسلات وخامس البرامج الوثائقية واخر الصور المتحركة أو البرامج الترفيهية ويحقق كل من الحد الأدنى من رغبته احتراماً لأخيه.
إذا مرض أحدهم يجمعون له فاكهتهم على ندرتها، وإذا علم أحدهم بموت عزيز أقاموا له العزاء واجتمعوا حوله يواسونه بمصابه ويخففون عنه.
وإذا تلقى أحدهم خبراً سعيداً باركوا له فيه وأشعروه بأنه بين أهله وذويه فوزعوا الحلوى والعصير.
يعيشون مع شعبهم فرحته وألمه وانتفاضته ويترقبون الأحداث وكأنهم خارج السجن، هم يداً واحدة وقلباً واحداً على السجان الذي يقتنص كل فرصة لينقض عليهم فصنعوا بوحدتهم جدار العز وملاحم البطولة، فلم يجد بينهم سبيل ضعف ولم يؤتوا من قبل أحدهم.
هم جسداً واحداً كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضاً، متآلفون ومتحابون ومتفانون، وضعوا لأنفسهم قواعد للحياة رغم قسوتها فأوجدوا بينهم التفاهمات الداخلية في الغرف والقوانين التنظيمية كل وفق رؤيته ومبادئه، ووضعوا اللوائح الاعتقالية بين الفصائل الإسلامية والوطنية ليضبطوا أوضاع قلاعهم ويقاوموا إدارة السجن التي لا تنفك عن سحب إنجازاتهم ومحاولة السيطرة عليهم، فسيطروا بجوعهم وأيام نضالهم وخطواتهم ملاحم تشرف شعبهم، وأوجدوا واقعاً عزيزاً كريماً مع السجان الذي لم يقوى عليهم.
فكل حياتهم قائمة على الحوار والنقاش والمشورة وجميعها منظمة ومدروسة ولا يسمحون للعابثين المس بها أو تخريبها ولا يفرقون في المحاسبة بين عنصر أو قائد جميعهم كأسنان المشط.
تعرف رفيق على زملاءه التسعة عشر في الغرفة وتطورت علاقته بهم جميعا، فأحبهم وأحبوه وكان يحمد الله وهو يرى ماسي وأحزان وهموم من حوله.
فتعرف على أبي ياسر الذي كان يعاني من العديد من الأمراض ويشعر بالاختناق من الأزمة الصدرية المزمنة ولم يجد الاهتمام الصحي لتتحسن حالته،،
ولاحظ في النزهة أخ كفيف عزيز النفس يقوم بكل احتياجاته بنفسه ولا يثقل على الآخرين ويكون مبتسما في معظم أوقاته،
تنقل رفيق من سرير ( برش) إلى آخر وسمع من أصحابها بطولاتهم وآلامهم وأّمالهم وتأثر بأبي هشام الذي أمضى في سجنه ما يزيد عن سني حياته في الحرية.
- قال أبو هشام: هذه السنة السادسة والعشرون من اعتقالي يا بني.
- تألم رفيق وسانده: جعلها في ميزان حسناتك يا عم أبي هشام.
- أدعو الله أن تكون كذلك ولكني أتساءل لماذا أبناء شعبنا والفصائل والمؤسسات تهضم حق هذه الثلة الصابرة منهم ، تصور يا بني أني أتفاجأ من كل مناضل جديد كونه لا يعرف عنا شئ، فهل يعدوننا أمواتاً وإن كان كذلك فلنوصي أهلنا بإقامة بيوت العزاء علينا.
- لا قدر الله يا أبا هشام فالعديدون ممن أمضوا فترات طويلة فرج الله عنهم ويعيشون بين الناس في قمة الاحترام والتقدير أو السجن لا يبني على أحد، كما يقولون يا عم.
- أخشى ما أخشاه يا رفيق أن يحدث هذا مع المجاهدين الجدد والمحكومين أحكاماً عالية وتتكرر مأساتنا معهم ويمضون زهرة شبابهم وأجمل سني أعمارهم في هذه العتمة وبين الجدران.
أليس من الغريب يا رفيق أن يكون شخص منا بطل عند تنظيمه خارج السجن يطلب فيُطاع وإذا ما دخل السجن تنتهي صلاحيته لأن الاستفادة من إمكانياته وقدراته وتضحياته قد توقفت.
وإذا ما خرج ويجد أبناء جيله يتمتعون بالحياة وأبناءهم شباب فيخرج دون مساندة ليبدأ رحلة الحياة على مشاقها من جديد، أليس من الظلم عدم مساندتهم ومساعدتهم والوقوف بجانبهم لتعويضهم؟؟
- معك حق يا أبا هشام، وهل عندك أبناء؟؟
- نعم عندي هشام تركته ابن عامين فقط وأنا الآن جد لثلاثة أطفال.
ترك رفيق أبو هشام وهو يحمل في قلبه هما عليه ودعا الله له بالفرج القريب.
جلس في اليوم الثاني مع زميل آخر يسمى رفعت وعلى جانبه صورة لحاجة كبيرة فأساله:
- من هذه الحاجة يا رفعت؟؟
- إنها أمي يا رفيق توفت قبل سنة ونصف.
- الله يرحمها ويجمعك بها في الجنة، فمتى زارتك المرة الأخيرة؟؟
- قبل وفاتها بيوم كانت مريضة ومثقلة بالألم وفي موعد الزيارة أجبرت إخواني على تسجيلها للزيارة فعارضوا وحينما قالت لهم أن لم ازور رفعت فلن اقعد عند أحد منكم في بيت فنزلوا عند إصرارها ورغبتها.
كانت أمي سندي الوحيد في الحياة، فبنت لي بيتاً من مدخراتي وما استطاعت توفيره وجمعت لي مهر عروس لتفرح بي فور الإفراج عني وقبل حضورها للزيارة جمعت إخواني الكبار وأخذت عليهم عهداً أن لا يتخلوا عني إذا ما حصل لها شئ فعاهدوها.
وحينما حضرت للزيارة بمساعدة الأهالي نظرت لها وكأني أراها لأول مرة ، كانت تتحدث بمشقة ووجهها قاتم ويديها ترتجف فعاتبتها على حضورها وهي مرهقة فقالت:
يا رفعت يا حبيبي، أشعر بالراحة حينما أراك واليوم أراك وكأني أودعك فيا قلبي كنت أتمنى حضور يوم فرجك وفرحك ولكن الأعمار يا حبيبي بيد الله، فبيتك ومهر زوجتك أمانة عند إخوانك، أخذتُ عليهم عهد مساندتك وهم أوفياء لحالك فسامحني يا رفعت إن مت، فالموت يا بني حق وليس بيدي، واعذرني لأني سأقطعك من الزيارة فهذا يا حبيبي قدرنا وحكم الله على وعليك، ولو كان الأمر بيدي لبقيت على قيد الحياة ليس حباً فيها بل لأجلك وكل ما أخشاه يا رفعت أن تشعر بالوحدة من بعدي وخاصة بين أصحابك الذين يزورون ويحضرون لهم أمهاتهم وزوجاتهم طلباتهم ويساندوهم، فخوفي أن يقصر أحد معك بعد موتي في تأمين طلباتك ، ولكن الله لن ينساك فكن دوماً معه حتى يبقى معك، ولا تيأس من رحمة الله فالسجن يا رفعت لا يدوم على أحد وخذ بالك من دينك وإيمانك واحفظ ما استطعت من القرآن الكريم وصلي لله إذا حزنت أو شعرت بضيق ولا تنساني يا نور عيني من الدعاء....
حينها رن جرس انتهاء الزيارة فودعْتَها وقبَّلتُ يديها وطلبت رضاها ودعائها وأوصيتها بصحتها وحينما وصلت للبيت ..... انقطع رفعت عن الحديث وحشرج صوته وذرفت دموعه وقال – لقد توفت يا رفيق في نفس الليلة.
انتهى الجزء الثانى من رواية
الشتات

وانتظروا الجزء الثالث

لننهي شتات امتنا

ابو جهاد / منتدى الدوايمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة
» الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الأول رأفت حمدونة
»  الدوايمة / من أدب السجون (رواية قلبي والمخيم ) الجزء االثاني رأفت حمدونة
» الدوايمة / من أدب السجون (رواية قلبي والمخيم ) الجزء االرابع رأفت حمدونة
» الدوايمة / من أدب السجون (رواية قلبي والمخيم ) الجزء الأول رأفت حمدونة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008  :: خيمة القضيه الفلسطينية :: منتدى الأسرى والمعتقلات الصهيونية-
انتقل الى: